&
لندن ـ نصر المجالي: غابت وجوه سياسية بارزة عن الواجهة السياسية في الاردن في التشكيلة الجديدة لمجلس الأعيان الذي هو الغرفة الاولى في البرلمان الاردني، والثانية هي مجلس النواب التي تتجهز البلاد لانتخاباتها التشريعية في مطلع الصيف المقبل.

والمجلس الملكي الذي هو الأول من نوعه يعينه العاهل الاردني منذ توليه السلطة في العام 1999 خلا من اسماء سياسية كانت تعتبر في العرف السياسي من جمهرة العرابين للسياسات خلال العقود الثلاثة الماضية ومن ابرزها رؤساء الوزارات السابقون مضر بدران وعبد السلام المجالي وعبد الكريم الكباريتي وطاهر المصري واحمد عبيدات واحمد اللوزي الذي اراد هو نفسه منذ فترة طويلة الاخلاد الى الراحة لحالته الصحية.
الاسترضاء والاسترضائية
وفي ابعاد هذه الاسماء الكبيرة عن الواجهة التشريعية في البلاد فان العاهل الاردني يختط لنفسه طريقا مخالفا لما تم التعارف عليه تقليديا في البلاد في عهد والده الراحل، وهو في هذا البعد يشطب من قاموس قراراته السياسية مبدأ "الاسترضاء والاسترضائية"، الذي حكم الاردن تقليديا لعقود طويلة خلت.
صحيح ان المجلس الملكي الجديد خلا من اسماء من اقطاب المعارضة السياسية في مختلف اطيافها الانتمائية عقائديا، لكن الملاحظة الأهم هو ان المجلس خلا من الاسلاميين سواء منهم المتشددين او المعتدلين، وهذه رسالة واضحة الى الجميع يمكن ان تؤخذ بجميع ابعادها في الانتخابات المقبلة لمجلس النواب الذي هو تمثيل شعبي عبر الاقتراع.
والعبرة في تشكيل مجلس الاعيان الأردني الجديد من اعضائه الأربعين مهما كانت هوياتهم او تسمياتهم، هي ان الملك الاردني يختط لنفسه بعيدا عن مؤثرات الارث التاريخي سياسة منفصلة في اتخاذ القرار لكنها متصلة في رغبة البقاء والحفاظ على الاردن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى في ظل تطورات وتداعيات هي الأخطر تعيشها المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية التي قام الكيان الاردني بعدها مباشرة "كمملكة مستقلة".
لا يتوقف اي مراقب في تحليل الاسماء الواردة في تشكيل المجلس الجديد، فهي جميعها نتاج حال تقليدي دأبت المملكة على انتهاجه من دون النظر الى الخبرات والتخصصات والكفاءات، فالدستور يعطي الملك وهو رأس السلطات الثلاث هذا الحق في تعيين من يشاء في المجلس البالغ عديد اعضائه نصف اعضاء المجلس النيابي المنتخب.
والشروط الدستورية التي تم في اطارها تعيين الاعضاء الجدد كلها مستوفاة، وفوق ذلك فانها غطت جميع اقليم البلاد البدوي منها والريفي والحضري، وغطت المستويات الوزارية والدبلوماسية والاكاديمية وحتى النسوية السابقة التي احيلت الى التقاعد في اوقات سابقة لظروف خاصة او اجبارية.
اردنة الأردن
وفي الملاحظة الأهم ان العاهل الاردني ذهب بعيدا في شوط "اردنة الأردن" سلفا مستبقا في ذلك اية مخططات دولية في اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
والضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من المملكة الاردنية الهاشمية بحسب الدستور الى هذه اللحظة على الرغم من قرار فك الارتباط الصادر في العام 1987 ـ ويحمل ابناء الضفة الى الآن جواز السفر الأردني ولهم حسب الدستور نفس الحقوق التي لابناء من هم في شرقي النهر.
وهم تولوا الوزارة ورئاستها والادارة العامة وانخرطوا منذ اكثر من خمسين عاما في بناء وطن هو لهم ومنهم على صعد تعليمية واقتصادية وقدموا اليه خدمات لا يمكن لأي اردني ان ينكرها الا ويتذكرها حاملا بذلك لهم جميلا تاريخيا على كتفيه.
الفلسطينيون بناء
واذ كان البناء الاقتصادي في الأردن مهمة فلسطينية، كان الحفاظ على المنجزات امنيا مهمة ابناء العشائر والقبائل الاردنيين الذين انخرطوا في اسلحة الجيش والأمن والمخابرات للحفاظ على وطن فيه منابت واصول مختلفة من اردنيين وشراكسة وارمن وفلسطينيين ومن تابعيات عربية مختلفة تمتد من الجزيرة العربية الى اليمن والعراق وسورية ومصر وحتى المغرب.
ويستذكر التاريخ ان اول رئيس للوزارة في شرقي الأردن كان درزيا لبنانيا هو رشيد طليع وكان وزير المال سوري هو حسن الحكيم وتتالت المناصب للتابعيات العربية حتى ان السعودي الشيخ عبد الله السراج تسلم رئاسة الحكومة، وتسلمها قبله السوري رضا باشا الركابي ثم ابراهيم هاشم السوري ايضا والأمثلة كثيرة حتى ان وزارة الاعلام تسلمها قبل عشر سنوات المصري محمود الشريف.
اردنيون وحظ قليل
كان حظ ابناء شرقي الأردن في تسلم المناصب العليا في بلادهم قليلا، واذا ما تيسر لهم ذلك، فانها كانت لمواجهة خطر داهم يخشاه النظام وهم دفعوا لذلك ثمنا عاليا، وهكذا كان مقتل رئيس الوزرا الشاب هزاع المجالي في العام 1960 ، حين واجه عبد الناصر والاشقاء السوريين، وهو حال وصفي التل الذي اغتيل في القاهرة في العام 1971 بعد مواجهات ما يسمى بأيلول الأسود مع الفدائيين الفلسطينيين، واخيرا يدفع عبد السلام المجالي الثمن بعد "بصمته على اتفاق وادي عربة" مع اسرائيل في العام 1995 .
وما بين بين قضى احمد عبيدات حيا يرزق متقاعدا نتاج مواقف حاول فيها ابراز الهوية الاردنية من خارج مؤسسة الحكم، وحين اعيد الى السلطة التشريعية في المجلس الملكي قبل اعوام ثلاثة، منع من الكلام واقامة الندوات والمحاضرات، وبالتالي فانه اراد البقاء على وجه الدنيا حيا يرزق فأحال نفسه الى التقاعد فارتاح واراح.
مجلس الأعيان الأردني الجديد، الآتي قبل شهور معدودات من الانتخابات البرلمانية عليه مسؤوليات جادة في الاشارة والاستشارة، ويعقد العاهل الأردني امالا كبيرة على مجلسه الجديد بتخطي عقبات الانتخابات المقبلة المقررة في فترة عشاها ما تشهده المنطقة العربية والاسلامية من تطورات راهنة وغدوها ما ستشهده منطقة الشرق الاوسط من تطورات تخصها.
هذه التطورات الآتية هي لصالح الحسم الاسرائيلي الفلسطيني في حال سلام دائم وعادل واقامة دولة جديدة من رحم الغيب هي " الدولة الفلسطينية المستقلة" وما لهذه الدولة الجديدة من اتصال جيوبولوتيكي وديموغرافي مع الدولة المملكة شرقي النهر، ذات الستين بالمائة من سكانها من الفلسطينيين.
7 فلسطينيون
في المجلس الملكي الجديد هنالك سبعة من الفلسطينيين، وجميعهم يرون في مؤسسة الحكم الأردني لا سواها انتماءهم الوحيد وهم خدموها وزراء وسفراء وفي مناصب اخرى من امثال مروان دودين وزير الاعلام الأسبق ورياض الشكعة وزير العدل السابق ورجائي الدجاني وزير الداخلية السابق وضابط المخابرات الاسبق، وماهر فريد ارشيد الذي تربطه بالعائلة الملكية روابط المصاهرة والنسب، ومصطفى الفياض الوجيه المعروف في الزرقاء والرصيفة وسادسهم "الاردني المتشدد" مدير المخابرات الأسبق مصطفى القيسي، اما السابعة فهي الوزيرة السابقة سلوى المصري.
اسماء تقليدية عديدة عادت الى عضوية مجلس الاعيان وهم كانوا وزراء في عهود سابقة، وبعضهم عمل في السلك الدبلوماسي، لكن الملاحظ هو ان رجال المخابرات والجيش السابقين لهم وجودا ملحوظا.
جنرالات ونساء
فقائد الجيش السابق عبد الحافظ مرعي الكعابنة، وميرا الخابرات السابقين سميح البطيخي ومصطفى القيسي، والوزير السابق والوزيران السابقان رجائي الدجاني وسميح بينو كان من ضباط المخابرات السابقين المرموقين لسنوات طويلة، كما ان القائد العسكري ابن بادية الجنوب اللواء كاسب صفوق الجازي حاز عضوية المجلس محافظا بذلك على مقعد عشيرة الحويطات القوية في الجنوب.
وفي المجلس الملكي للنساء دور حيث عين الملك ثلاث نساء هن سلوى المصري وابنة البادية الاردنية الدكتورة علياء ابو تايه حفيدة الشيخ عودة ابوتايه احد قادة الثورة العربية الكبرى والوزيرة صبحية المعاني.
تطورات كبيرة مقبل عليها الاردن ويتجهز لها على قدم وساق، وقرارت كبيرة منتظرة على الدرب استعدادا لمرحلة الشامل بين الجارين الفلسطيني والاسرائيلي والآتي على الساحة الأردنية شيء ملحوظ ومهم وهم يستعدون والآخرون يراقبون.&&&