&
&
&
ربما كان السبب في عدم الحماس الذي قوبل به خطاب كولين باول وزير الخارجية الأمريكية والذي قدم فيه الرؤية الأمريكية التي طال انتظارها عن شرق أوسط يسوده السلام وتعيش فيه دولتان‏:‏ إسرائيل وفلسطين جنبا إلي جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها يرجع إلي اعتبارين أساسيين‏:‏
الأول أن نبرة الخطاب جاءت إيجابية في مجملها‏,‏ وحملت بعض تعبيرات تعاطفت مع الشعب الفلسطيني بصفة عامة‏,‏ إلا أن مضمون الرؤية ظل محافظا علي الانحياز الأمريكي لإسرائيل‏..‏ فالفلسطينيون هم المطالبون بوقف العنف والإرهاب‏,‏ والقيادة الفلسطينية هي التي يجب عليها أن تمنع وقوع أعمال العنف مائة في المائة‏,‏ ولا يوجد عذر مهما يكن مبرر غضبة الفلسطينيين وردود فعلهم‏.‏ أما إرهاب الدولة الإسرائيلية الذي تتغاضي الرؤية الأمريكية عنه‏,‏ فلا يتحمل اية مسئولية‏,‏ وكرر باول نفس الموقف الاسرائيلي بأن المفاوضات لن تبدأ بين اسرائيل والفلسطينيين إلا بعد وقف العنف‏,‏ ولم يحدد في خطابه وقتا معينا الا أنه أعاد تأكيد المواقف الأصلية التي كانت امريكا قد تجاهلتها وهي ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف انشاء المستعمرات‏.‏
ثانيا أن خبرة السنوات العشر الماضية منذ مدريد والتي جاءت أيضا عقب حرب الخليج أثبتت ان التحرك الأمريكي قد تدفعه عوامل حسن النية والرغبة الحثيثة في إقرار السلام في الشرق الأوسط‏,‏ أو في أحيان أخري تحت ضغط تطورات وأزمات دولية مثل حرب الخليج أو حرب أفغانستان‏,‏ إلا أن الضغوط الإسرائيلية والمشاورات الصهيونية وقوة تأثير النفوذ اليهودي علي السياسة الأمريكية‏,‏ سرعان ما تدفع به الي الاتجاه المعاكس وتضع العصا في عجلات العربة‏,‏ وخلال السنوات الأخيرة شهدنا مواقف ومبادرات ووعودا أمريكية‏,‏ سرعان ما تبخرت في الهواء أو انقلبت علي عقبيها‏.‏
ويمكن القول بعد ذلك إن رؤية باول حملت خطوطا عامة لتحرك محسوب ومقدر بحسب ما تطيقه إسرائيل وتوافق عليه‏,‏ استنادا الي تقرير ميتشيل وخطة تينيت‏..‏ دون أن تتعرض لتفاصيل القضايا الحرجة أو مباديء حلها‏,‏ أي دون ان تضيف جديدا حتي فيما يتعلق بالحاجة الي مراقبين دوليين لمراقبة وقف إطلاق النار‏.‏ وقد اكتفت الإدارة الأمريكية فيما يبدو بوجود الجنرال زيني للإشراف علي التنسيق الأمني بين الطرفين‏,‏ ومساعد وزير الخارجية بيل بيرنز لإجراء مشاورات حول الجوانب السياسية‏,‏ التي تركت كلها للمفاوضات بين الطرفين‏.‏
ومن هنا فالجديد يظل في الشكل دون المضمون‏,‏ ومالم يغير شارون مواقفه من المستعمرات‏,‏ والقدس‏,‏ واللاجئين‏,‏ وينجح زيني وبيرنز في وضع آليات تكفل تحركا حقيقيا نحو السلام‏..‏ فإن رؤية باول قد تصبح مجرد رؤيا أو سراب لا يتحقق إلا في الأحلام‏!!.‏(الأهرام المصرية)
&
&
&
&
&