&
&

لم يكن يخطر ببال أي عاقل يعرف ضخامة القوة الأميركية وضآلة القوة الأفغانية‏,‏ أن تنتهي الحرب التي تشنها أميركا ضد طالبان ومعاقل القاعدة وحشودها‏,‏ بأي شكل من أشكال النصر أو حتي الإفلات من الهزيمة للطرف الأضعف وهو طالبان‏..‏
واذا كانت هناك تحليلات استراتيجية ذهبت الي أن الحرب قد تطول سنوات‏,‏ وأن طالبان قد تتحول الي حرب عصابات علي غرار ما حدث في فيتنام‏..‏ أو علي الأقل علي غرار ما حدث مع السوفيت أثناء احتلالهم لأفغانستان‏,‏ فان هذه التحليلات لم تضع في اعتبارها أن الظروف قد اختلفت أشد الاختلاف عن الحالتين السابقتين‏.‏ حيث كانت فيتنام تتلقي مساعدات عسكرية من روسيا والصين ودول الكتلة الشيوعية بغير حساب‏.‏ وفي الحالة الثانية كانت أفغانستان تتلقي مساعدات عسكرية هائلة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية لمقاومة الاحتلال السوفيني‏..‏ وكانت هذه المرحلة في تاريخ الأزمة الأفغانية هي التي بدأ فيها ما يعرف بظاهرة الأفغان العرب المتطوعين من دول عربية وإسلامية‏,‏ ولعبت المخابرات الأمريكية دورا بارزا في تسليحهم وفي طرد السوفيت وإنزال الخسائر الباهظة بهم‏,‏
فاذا أضفنا الي ذلك أن الأسلحة والمعدات العسكرية وأجهزة الرصد والمراقبة والأقمار الصناعية والوسائل الالكترونية قد غيرت من أساليب القتال تغييرا جذريا‏,‏ وبالأخص فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية‏..‏ بينما كانت ميليشيات طالبان تحارب بأسلحة ومعدات من مخلفات الحرب العالمية الثانية أو بمعدات روسية قديمة‏,‏ فسوف نجد أن المقارنة أشبه بشخص يحارب بسكين أو بفأس في مواجهة غريم يمسك بمدفع رشاش‏.‏ وقد استخدمت أمريكا قواتها الجوية الكاسحة والمزودة بأحدث وسائل المساعدة الأرضية والمعلومات في سحق امكانيات طالبان العسكرية وحشودها المختبئة في الكهوف والجبال‏..‏ دون أن تضطر الي الدخول في اشتباك مباشر يعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر‏.‏
والذي لاشك فية أن نجاح أمريكا في تعبئة العالم كله ضد طالبان وبن لادن باعتبارهما رمزا للارهاب الدولي‏,‏ وتطوع العديد من حلفاء أمريكا في أوروبا والشرق الأوسط‏,‏ وانضمام روسيا الي الحملة العسكرية‏..‏ وقبل كل شيء انتزاع باكستان من تحالفها القوي مع طالبان لكي تتحول الي قاعدة عسكرية أمريكية للعمليات‏..‏ الي جانب السيطرة الكاملة علي كل الاتصالات والحسابات والأرصدة في جميع أنحاء العالم‏,‏ كل ذلك أحكم القبضة الأمريكية علي طالبان في غضون أسابيع قليلة‏..‏ علما بأن أمريكا وبريطانيا بكل القوة والهيلمان لم تكن تحارب جيوشا نظامية‏,‏ بل مجرد عصابة مسلحة بأبسط أنواع الأسلحة‏,‏ بدون قيادات وأركان ومخابرات وقوات خاصة‏..‏
وهذا هو التفسير الوحيد لانهيار طالبان بعيدا عن الفذلكات الاستراتيجية والتحليلات السياسية‏!‏(الأهرام المصرية)