&
المحرر الاقتصادي: كتب الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز المهنا مستشار وزير النفط في المملكة العربية السعودية، في صحيفة "الشرق الأوسط" مقالة تصف ما تمر به السوق النفطية العالمية، وتحاول تحديد اتجاهاتها المستقبلية، على المدى المنظور خاصة العام
بوش وبوتين
المقبل، حيث سيكون المخزون النفطي مرتفعا والاستهلاك منخفضا، في ظل أزمة الطيران العالمية والسياحة، والكساد الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الصناعية التي تعتبر من الدول المستهلكة الرئيسية للنفط في العالم.
ويكتب المهنا حول مواقف الدول، من خلال وجهة نظر السعودية التي تشكل المساهم الأول والأكبر في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والتي تعتبر اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، شارحا ما تراه المنظمة والدول المصدرة من عوائق، في الوقت الذي لما يحسم فيه بعد الموقف الروسي من خفض إنتاجها لاعطاء قرار "أوبك" المتخذ في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) مفعوله ومداه في الأسواق مع بداية العام.
وإذا كانت التصريحات الروسية الرسمية تشير إلى ان روسيا ليست فقط دولة مصدرة للنفط (ثاني اكبر مصدر عالمي)، بل هي أيضا دولة مستهلكة للنفط وبكميات هائلة، وهي من مصلحتها أيضا ان تحافظ على أسعار النفط دون مستوى 22 دولار للبرميل، فان عدد من المحللين والخبراء ذكروا في نشرات نفطية دولية ان القرار الروسي بخفض "رمزي" للإنتاج هو اقرب إلى قرار سياسي وبمفاعيل سياسية آتى قبيل اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأميركي جورج بوش.
ويذكر محللون ان المصلحة الأميركية الحالية على الأقل على مدى الأشهر الستة الأولى من العام المقبل تقضي بالحفاظ على كلفة حركة القوات العسكرية الأميركية منخفضة، وعلى زيادة الاحتياطي الاستراتيجي من النفط، وعلى تحفيز الأسواق عبر أسعار طاقة منخفضة، بعد كل التباطؤ والركود ومن ثم الكساد الذي مرت وتمر عبر الأسواق، وهو الأمر الذي ينفيه محللون آخرون يشيرون إلى ان القطاع النفطي الأميركي، وهو ليس بالقطاع الصغير، سيتكبد خسائر عالية في حال انتهجت الإدارة الأميركية سياسة مشابهة.
&
المهنا: الأسواق إلى أين
&
ويعتبر المهنا ان في مقالته ان السوق النفطية الدولية تمر حاليا بمرحلة صعبة، وبالذات خلال العام المقبل، ولن ينقذ السوق من هذا الوضع المتردي إلا تعاون كافة المنتجين من داخل منظمة (الدول المصدرة للنفط) ألـ"أوبك" وخارجها.
وتعود الصعوبة التي تواجهها السوق حاليا والمحتملة العام المقبل، بحسب المهنا، إلى عاملين أساسيين، الأول تردي الاقتصاد العالمي مما أدى إلى انخفاض نمو الطلب على البترول، والعامل الثاني زيادة الإنتاج من خارج ألـ"أوبك" بعد ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الثمانية والعشرين الماضية.
كانت التوقعات تشير إلى ان الانخفاض في الطلب على البترول مؤقت وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام على الأكثر، وبعد ذلك يعود الطلب إلى الارتفاع مع زيادة معدل نمو الاقتصاد العالمي، ولهذا السبب قررت "أوبك" تخفيض إنتاجها منفردة وبحوالي 3.5 مليون برميل يوميا، اعتقادا منها انه سيتم رفع الإنتاج في وقت لاحق في أواخر العام 2001، وذلك حسب ظروف العرض والطلب ومن اجل المحافظة على استقرار السوق والمستوى المناسب من الأسعار.
ويقول المهنا ان "أوبك" كانت بمفردها ومن دون مساندة المنتجين الآخرين تقوم بدور المنتج المرجح، والذي يعني زيادة الإنتاج أو خفضه حسب ظروف العرض والطلب ومن اجل استقرار الأسعار.
ويستدرك بالقول ان أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والتطورات التي تلتها، أثرت بشكل كبير ليس فقط على الاقتصاد العالمي ونموه، بل على الطلب على البترول بشكل خاص، فالاقتصاد الأميركي تحول من مرحلة الركود الاقتصادي إلى مرحلة الكساد، كما ان اقتصاديات كثيرة وهامة تحولت إلى حالة من الكساد.
وقد أثرت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) بشكل خاص على استخدام البترول ولسبب آخر. فقد أدى استخدام الطائرات المدنية لتدمير مبنيي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون، إلى عزوف كبير عن استخدام الطائرات كوسيلة للسفر. ومن المعروف ان الطائرات من أهم مستخدمي المنتجات البترولية. وتشير التوقعات الأولية انه نتيجة لأحداث 11 أيلول (سبتمبر) وما تبعها من أحداث أخرى في الطيران العالمي، فإن استخدام وقود الطائرات سينخفض خلال الربع الرابع من هذا العام بما بين 400 إلى 500 ألف برميل يوميا، وهي كمية ليست بسيطة، بل إنها تعادل او تفوق إنتاج او تصدير العديد من الدول المعتمدة على البترول كمصدر أساسي للدخل مثل سوريا، واليمن، والجابون، والإكوادور، وصادرات إندونيسيا وغيرها.
إضافة إلى ذلك، فإن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أثرت على السياحة العالمية بشكل كبير، ويقدر حاليا الانخفاض في قطاع السياحة بحوالي 70% في دول مثل الشرق الأوسط ومنطقة الكاريبي و30% في أوروبا وأمريكا.
وفي وضع حرج مثل هذا، يعتبر المهنا ان الدول المنضوية في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والتي لا يتعدى نصيبها 40% من الإنتاج العالمي، لا يمكنها موازنة العرض والطلب، واستقرار الأسعار.
ويضيف ان هدف "أوبك" حاليا هو استباق الأحداث والعمل بقدر الإمكان على تجنب انهيارات بترولية وأزمة جديدة في الأسعار، وذلك من خلال تعاون كافة الدول المنتجة، والتضحية ولو بشكل بسيط ومؤقت من الإنتاج أو التصدير، وعلى أمل تطور الأوضاع إيجابيا في المستقبل، واستعادة ما تمت التضحية به.
ويذّكر المهنا بان الدول المنتجة من خارج "أوبك" قد استفادت من تحسن أسعار البترول خلال العامين الماضيين، وبدون أية تضحيات تذكر. ومن هنا فقد زاد إنتاج هذه الدول بحوالي مليوني برميل يوميا بين العام 1999، والعام الحالي، ونصف هذه الزيادة تقريبا، أي حوالي مليون برميل جاءت من روسيا لوحدها. وفي نفس الوقت انخفض معدل إنتاج دول "أوبك" خلال هذه الفترة بحوالي مليون برميل يوميا. أي ان الانخفاض في إنتاج ألـ"أوبك" يعادل تقريبا الزيادة في إنتاج روسيا.
ويقول انه وبالنظر إلى العام المقبل، من السهل ملاحظة ان الوضع سيكون اكثر صعوبة، فالطلب العالمي لن يرتفع إلا بشكل بسيط وفي حدود 500 ـ 700 ألف برميل يوميا، حسب اغلب التوقعات الحالية. وفي نفس الوقت فإن إنتاج الدول من خارج "أوبك" من المتوقع ان يرتفع بما بين 800 إلى مليون برميل يوميا، ونصف هذه الزيادة من روسيا، ويحدث هذا في وقت يعتبر المخزون التجاري مرتفعا نسبيا، ومن المتوقع ان يرتفع كذلك خلال الأشهر المقبلة وربما في فصل الشتاء الذي عادة ما ينخفض فيه المخزون نتيجة لزيادة الاستهلاك.
ويؤكد انه وفي وضع مثل هذا، يتميز بوجود أزمة اقتصادية عالمية وبانخفاض نمو الطلب على البترول، وزيادة الإنتاج وبالذات من قبل الدول من خارج ألـ"أوبك"، وارتفاع المخزون نسبيا، فلا بد من تضافر الجهود وتعاون كافة الدول المنتجة الرئيسية للبترول، وبالذات الدول التي يعتمد أو يتأثر اقتصادها بأسعار البترول.
ويلحظ المهنا وجود نقاش مستفيض داخل الحكومة الروسية وداخل الصناعة البترولية الروسية حول موضوع اسعار النفط والزيادة الانتاجية والحصة في الاسواق. وهو ما يصفه بالوضع الصحي والسليم الباعث على التفاؤل، فبحسب التقارير الصحافية الواردة من موسكو، فإن هناك اختلافا في وجهات النظر ليس فقط بين المسؤولين الحكوميين، بل كذلك داخل الصناعة البترولية نفسها، بين مؤيد للتعاون والتخفيض المناسب في الإنتاج والتصدير، والمعارض لكل هذا.
ويبدي المهنا اسفه لما يسميه "تشويشا خارجيا لهذا النقاش"، واعطاء صورة مخالفة للواقع أو صورة سلبية. فعلى سبيل المثال هناك من يحاول الزج اعتباطا بالعامل السياسي في هذا. فقد أشار البعض إلى ان روسيا لا يمكن ان تتعاون مع ألـ"أوبك" في وقت يزور فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الولايات المتحدة، كما انهم أضافوا ان روسيا تسعى حاليا إلى بناء تعاون في كافة المجالات مع أوروبا الغربية والولايات المتحدة. من هنا فإنها قد لا تسعى إلى التعاون مع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، وخفض الإنتاج الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالذات في وقت يمر فيه الاقتصاد العالمي بمرحلة تباطؤ في نموه.
ويخلص إلى الاستنتاج بأنه وفي حال رفضت روسيا مبدأ التعاون مع منظمة "أوبك" والدول المنتجة الأخرى والمشاركة المتكافئة في التخفيض، فقد تنخفض الأسعار وبشكل يصعب التكهن عن مداه. أما في حالة تعاون روسيا وتخفيضها لانتاجها وصادراتها، فمن المتوقع ان ترتفع الأسعار، وان يستقر سعر سلة ألـ"أوبك" بما بين 22 و25 دولارا خلال النصف الأول من العام المقبل على الأقل. فلا بد من الملاحظة هنا، ان قرار التخفيض وبهذه الكمية الكبيرة (مليونا برميل يوميا) يبدأ مع بداية شهر كانون الثاني (يناير)، أي ان تأثيره سيكون محدودا بأواخر الربع الأول والربع الثاني من العام المقبل. وهذا يعني ان الهدف هو استقرار وتوازن السوق وليس إحداث قفزة في الأسعار.