&
ما أن فرغنا من قراءة "البيان الشيوعي" حتى تراءى لنا اننا ملكنا العلم كله وباتت كل مسألة مفتوحة لنا. لقد ملكنا الأداة والمنهج والمعيار، اما المعلومات فتفاصيل والوقائع تفاصيل أيضا، ولا عبرة لها الا لتأكيد المنهج وتحقيقه، فقد دار لنا تلك الأيام ان القانون في يدنا وان الوقائع لا تفعل سوى ان تعيد توليده وانتاجه، فنراه في كل مرة وعند كل تحليل أكثر مضاء وجدة، لم تكن هذه حالنا فحسب، كانت حال مفكرين ومؤرخين وفلاسفة حاولوا ان يفهموا التاريخ الاسلامي الاول على انه صراع طبقات سائدة وطبقات مستبد بها، او حاولوا ان يعينوا للخوارج محلا في البرجوازية الصغيرة وللأمويين محلا في البورجوازية الكبيرة وللشيعة اذا أمكن محلا في العمال والفلاحين. وقد ينقلب الميزان فيغدو الخوارج في كفة العمال والفلاحين او يغدو القرامطة بالتأكيد في خانة الطبقات المضطهدة. ثم هناك منارات كبرى: ثورة الزنج وشيوعية القرامطة، وعلى هذا وجدنا ايضا من يدخلون الصراع الطبقي ومفهوم التقدم في الكلام وفي الفلسفة. ومن يجدون تفسيرا ماديا للفلسفة الاسلامية ومن.. ومن. فمن قراء البيان الشيوعي او انتي دوهرنغ او الملكية الخاصة والدولة لم يفته شيء من علم وتفتحت له الاسرار كلها، لقد وجد المفتاح المنهج أما المعلومات والوقائع الجارية والازمنة والاحداث، فمجرد تفاصيل.
المبدأ هو الحق والوقائع نوافل، ليس الكتاب الماركسي وحده من يزري بوقائع قام كما يفترض بها، وليس وحده من يستبدّ بواقع يدعي انه مرآته وتأويله، ثمة كتب أصغر وأكبر تملك الدعوى نفسها.
كتب الاديان بالطبع لا تقول شيئا آخر. لكن الديانات الحديثة لا تقل صرامة وتصلبا عن الأديان القديمة فثمة دائما هناك المفتاح والمبدأ والمنهج، وفي كل الاحوال لا حاجة لدليل جديد، لواقعة جديدة فقد تم في زمن غير مذكور التحقق من كل شيء والبرهان على كل شيء.
قرأنا مرة كتابا جمع فأوعى. لم يكن كتابا نضاليا ولا روحانيا بل كان بين بين. تصوف بمقدار وتجارب داخلية بمقدار وفن بمقدار وتحليل نفسي بمقدار. ديانة بلا دين. او تمارين دينية بلا دين. وعلى هذا فان الكتاب ذكر جيشا من أسماء بعضها معروف وبعضها غير معروف وأمكن للقارئ ان يظن انه وعاها كلها وجمعها كلها، وقرأناها جميعا متيقنين هذه المرة انه الكتاب بحق، وان من عرفه لم يفته شيء.
الكتاب المفتاح، هو احيانا الفكرة المفتاح، وطالما وجدنا المفتاح واذا وجدنا المفتاح يسهل كل شيء وغدت القدرة والموهبة والمعرفة والمعلومات تفاصيل، وجدنا الربع صوت والخط العربي وابن رشد او النفري والمتصوفة، وبالطبع كانت هناك مفاتيح التقدم والوطنية والديموقراطية. مفاتيح على مفاتيح لكننا لا نضيع ولا نفقد المفتاح ونجد دائما ان الوقائع والمعلومات والمجريات تفاصيل. (عن "السفير")
&