&
اشارة الرئيس الاميركي جورج بوش، الى الرئيس العراقي صدام حسين، خلال حديثه عن اسلحة الدمار الشامل، تعد الاولى من نوعها، تصدر عن اعلى مسؤول اميركي بشأن الموضوع العراقي، منذ احداث ايلول الماضي. فقد اقتصرت الاشارات الاميركية بداية على مقالات صحافية، ثم بدأ بعض المسؤولين الاميركيين يتحدثون عن امكان ان تشمل حملة مكافة الارهاب، العراق بعد افغانستان. وحده الجانب العراقي بدأ يتحدث، وعلى لسان كبار مسؤوليه عن نية واشنطن استهداف العراق في المرحلة الثانية من الحملة التي بدأتها في افغانستان. بل ان نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي طارق عزيز تحدث عن خطة اميركية لقصف 300 هدف في العراق بواسطة الف صاروخ. هذا يعني ان النظام في العراق على يقين تام بأن الضربة آتية.
وفي داخل العراق اتخذت استعدادات عسكرية وأمنية، وجرت تغييرات في المراكز الامنية، ونشرت قوات على تخوم كردستان الخارجة عن سلطة النظام وفي المحافظات الجنوبية، الخارجة عن طاعة السلطة المركزية.
بات معروفا ان في الادارة الاميركية تيارين متباينين بشأن طبيعة التعاطي مع الملف العراقي حاليا، الاول يتزعمه وزير الدفاع ويدعو الي توجيه ضربة الى العراق تزامنا مع ضرب افغانستان او بعده، والثاني يتزعمه وزير الخارجية، ويدعو الي الامتناع عن مثل هذه الضربة حاليا، حفاظا على التحالف الدولي والعربي مع الموقف الاميركي في مكافحة الارهاب.
وكلما تقدم الموضوع الافغاني الى الامام (من وجهة النظر الاميركية) وحققت واشنطن نجاحا، كلما رجحت كفة التيار الداعي الى الحرب، باعتبار انها ستكون واضحة المعالم، وفقا للنموذج الافغاني. وبين الملفين الافغاني والعراقي الكثير من عناصر التشابه، رغم شدة التعقيد الذي يمتاز به الملف العراقي.
ففي كلا البلدين، نظام "مطلوب" اميركيا، وجزء من المعارضة متمركز على بعض اجزاء الوطن، والباقي موزع على دول مجاورة، يبقى ان نرى هل ان المصلحة الاميركية تقتضي الآن شنّ حملة واسعة بهدف الاطاحة بالحكم في العراق، كما فعلت في افغانستان، ام انها تنوي فقط تكرار ما فعلته منذ عاصفة الصحراء حتى الآن، من شتى عمليات واتخاذ خطوات استعراضية، يدفع ثمنها العراقيون العاديون وليس الحكم، وهو ما فعله وما زال يفعله الحصار، وما جرى في شتاء 1998 وعرف بعمليات ثعلب الصحراء وغيرها.
الاجابة عن هذا السؤال، تساعد في تحديد موقف الدول المجاورة للعراق، والتي لا يبدو اغلبها موافقا على عمليات غير حاسمة، فيما ينتاب بعضها الخوف حتى من تغيير المشهد السياسي في العراق، فتركيا تعيش هاجس قيام دويلة كردية في شمال العراق، وما يمكن ان تنقله من عدوى الانفصال الى اكراد تركيا، رغم ان مثل هذه النية لا تبدو متوفرة لدى اكراد العراق حاليا.
يقال ان واشنطن بعثت بتطمينات الى دول اقليمية من ان تغيير المشهد السياسي العراقي، لن يؤثر عليها، لكن ذلك لا يبعث الطمأنينة لدى بعض هذه الدول من ان ما يتوقع حدوثه في العراق، لن تسري عدواه الى دول اخرى، وهو ما يدفع هذا البعض الى رفض اي عمليات اميركية في العراق.
على الصعيد الدولي تبدي روسيا معارضة لمثل هذه العمليات العسكرية، انطلاقا من مصالحها في العراق، والتي ستكون اكثر امنا في ظل المشهد السياسي الحالي، الا ان هذه العقبة، ربما تزول بتفاهم اميركي - روسي يستند الى صفقة ما.
اما الجانب الايراني فلا يبدو معارضا لعمليات عسكرية استئصالية. وتجربة افغانستان، ربما تشكل قاعدة لتفاهم اميركي - ايراني، حول مستقبل العراق، بعد افغانستان، وهو ما مهّد له وزير الخارجية البريطاني خلال زيارتيه الى طهران خلال شهر واحد.
يتحدث البعض عن سيناريو يجرى اعداده، شبيه بما يحدث في افغانستان: قصف اميركي عنيف ومركز للقوات العراقية، خصوصا المحتشدة في الشمال، ثم هجوم تقوم به المعارضة من الشمال، مع تحرك شعبي يستغل الفراغ الامني، بعدها تنزل قوات اميركية (المارينز) لاكمال المهمة، اما بقية السيناريو، فيجب انتظار تنفيذها في افغانستان اولا.
هل هي اوهام، ام حقائق آتية؟ (النهار اللبنانية)