&
&
&
مصطفى الحسيني : يبدو أنه ليس من يهتم بمصير "الأفغان العرب"
ولا حتى بلدانهم التي وُلدوا فيها وترعرعوا ولهم فيها أهل وماض وذكريات، ولا شك أن بهم إليها حنين.
بل يبدو أن بلدانهم بالذات لا تريد حتى أن تسمع بهم، بل أنها تفضل أن تطوى قصتهم وتطويها معهم في غياهب الموت أو الضياع ثم النسيان.
وإن كان هذا هو أمر تلك البلدان، فليس فيه ما يُعز كرامتها، ليس فقط لأن هؤلاء بعض أبنائها حتى لو ضلوا السبيل، وإنما أيضا وأولاً لأنها الأولى بإقامة العدالة في شأنهم، وليس من كرامتها أن يقضي غيرها في مصيرهم.
لا يفسر عزوف تلك البلدان عن استعادتها أبناءها سوى ضمير أسود. إذ تحيط بحكومات تلك الدول ما هو أقوى كثيراً من مجرد الشبهات بأنها هي التي دفعت ببعض أبنائها إلى المعمعة الأفغانية التي آلت بهم إلى هذا المصير الذي يحوم فوق رؤوسهم اليوم وفي ما بعد اليوم.
فهؤلاء <<الأفغان العرب>> يواجهون اليوم احتمالات مصير أهونه قسوة أن يلقى بهم في معتقلات أميركية في جزر نائية بالمحيط الهادي يمكن كتمان كل ما يجري فيها، فلا يعرف أحد شيئاً عنهم وعن مصيرهم في نهاية المطاف، وقد يكون أقرب الاحتمالات وأعجلها هو إغراقهم في حمام دم يجري عمداً إخفاؤه في غمرة القتال الدائر في أفغانستان.
وإذا كانت حكومات البلدان العربية التي إليها ينتمي هؤلاء <<الأفغان العرب>> أو ينتسبون، لا تريد أن تطالب باستعادتهم خشية نبش الماضي وكشف ما تورطت فيه خدمة للأميركيين أيام الحرب الباردة، فالنصيحة السديدة لها الآن هي أن غُرم كشف ذلك الماضي أخفّ كثيراً مما ينطوي عليه التنكر لتلك الزمر الضالة من أبنائها بالنسبة لمستقبلها، فدم هؤلاء المهدور والمغيّب، لن يكون إلا سماداً يخصّب تربة لإرهاب واضطرابات ومصاعب في ما هو قابل من سنين.
وإذا كان من حقنا، نحن عامة الناس، أن نعرف حقيقة مأساة هؤلاء <<الأفغان العرب>> في منشئها، فإن من حقنا أيضاً أن نطالب حكوماتنا بأن تحمي مستقبلنا ومستقبل بلادنا من الثمار المرّة والحارقة والمدمرة للدم المهدور والمغيّب.
المطلوب الآن من حكوماتنا أن تطالب كل منها باستعادة من يمتّون إليها من هؤلاء <<الأفغان العرب>>.
وأن تجعل من استعادتهم شرطاً لمشاركتها أو تأييدها لتلك <<الحملة الدولية>> ضد الإرهاب.
وأنها عندما تتسلمهم تضمن لهم (ولنا) محاكمات علنية وعادلة تلتزم أصول المحاكمات، أي لا محاكمات عسكرية أو سرية.
وهذه مهمة تقع متابعتها على عاتق الهيئات المعنية بحقوق الإنسان. وفي مقدمتها المنظمات العربية العاملة في هذا المجال.(السفير اللبنانية)