&
الهجمات الارهابية التي شهدتها واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر الماضي اشعلت النقاش حول الإسلام. ولسوء الحظ، فإن النقاش ظل محددا ضمن مفهوم (نحن) اي: "العالم الغربي، المتمدن " و(هم) اي: "المسلمون المشكوك فيهم، الخطرون". بل ان الشهادات الحسنة النية التي استنكرت الاستعمال البلاغي لكلمة (كروسيد) ـ الحرب الصليبية ـ لم تفلح في تخفيف حدة الشكوك الضمنية لدى البعض ضد الإسلام. هذه العدائية اصبحت مصدر قلق مباشر للمسلمين الذين يعيشون في دول الوحدة الأوروبية والذين يبلغ عددهم 12 مليوناً، خمسة ملايين منهم في البلقان، وهو الامر الذي يدعو الى القول إن على اوروبا، في خضم بحثها عن وسيلة للرد على الإرهاب العالمي، ان تعامل مسلميها وفق المبادئ ذاتها التي تؤمن بها: الديمقراطية، حقوق الفرد، والتسامح الديني والوطني. ويجب ان يشمل هذا، أيضاً، انفتاح أوروبا ذاتها على فكرة ضم بعض الدول التي تحتضن نسبة سكانية عالية من المسلمين، او ذات الاغلبية المسلمة، مثل تركيا، الى الاتحاد الاوروبي.
كما ان على أوروبا المحافظة على موقفها بشأن الالتزام الاقتصادي والسياسي في البلقان، فالانتصار في الحرب ضد الارهاب ليس ممكنا بوسائل عسكرية فقط، بل يجب أن يكون هناك جهد مماثل للحد من الفجوة التي تزداد اتساعاً بيننا وبينهم. ان النفور والإقصاء لا يؤديان سوى الى الافكار المتطرفة.
وفي البوسنة والهرسك ، حيث أقوم بمهام الممثل الأساسي للمجتمع الدولي، فإن نصف سكان الدولة مسلمون. ولا شك ان الكثير حدث تحت التأثير المتبقي لبعض المحاربين (المجاهدين) الذين بقوا هناك بعد انتهاء حرب 92 - 1995ولكن لم يكن هناك أي دليل على أن الدولة كانت مركزا لمنظمة القاعدة، مع ملاحظة انه لا يجوز اهمال ذلك كليا، فقد تبين انه كانت لها حركة ناشطة في هامبورغ. بيد ان مزاعم بعض المتطرفين الصرب بأن الحروب في يوغوسلافيا (سابقا) كانت من اجل الدفاع عن الاصولية الاسلامية، هي مجرد تفاهات ومدعاة للسخرية. هل كان سلوبودان ميلوشيفيتش في حرب مع فقهاء مسلمين عندما قصفت قواته دبروفنك؟ ثم انه من المهم ملاحظة أن تأثير التطرف الإسلامي كان ضعيفاً في دول البلقان.
الواقع اننا عندما نتخطى صيغة (نحن) و (هم) يمكننا ادراك ان الإسلام جزء من التراث الأوروبي. تلك هي الصيغة الأوسع، حيث تستطيع دولة صغيرة مثل البوسنة اثبات ان التعايش بين الإسلام والمسيحية ممكن. وهذا يحتاج الى دعم أوروبا أكثر من أي وقت مضى.
إن اتفاق دايتون للسلام يضمن عدم قيام أية أنظمة في البوسنة بناء على تقسيم طائفي. وقبل الوحدة الأوروبية، كان التحدي يتركز على تكثيف الجهود من أجل مساعدة البوسنة على تطوير نفسها كديمقراطية متعددة الديانات، الأعراق والثقافات. ولا شك ان النموذج المثالي الذي يوحد الأعراق الثلاثة في الدولة هو اوروبا. فمسلمو البوسنة لا يشعرون انهم أدنى مستوى من الكرواتيين أو الصرب كأوروبيين أصليين. ومنذ 1995 شهدت البوسنة تقدماً ملحوظاً، وهي تدار الآن بواسطة حكومة إصلاحية ومتعددة الأعراق، حكومة تخلت عن سياسات الماضي القومية وتعمل على تطوير حياة مواطنيها من خلال إصلاح الاقتصاد والانضمام الى المسار الاوروبي. وقد برهنت هذه الحكومة، من خلال عدد من الاجراءات، خلال الاسابيع الاخيرة، على التزامها بمحاربة الارهاب العالمي.
يضاف الى ذلك ان تزايد نسبة اللاجئين العائدين الى مناطقهم هو خير دليل على معافاة البوسنة، فهم يشكلون الآن أقليات عرقية، وقد سجل المفوض السامي للأمم المتحدة خلال العامين الماضيين حوالي 144 ألفا و852 حالة مما يسمى "عودة الأقليات"، لكن العدد الفعلي ربما يكون أكثر من ذلك بكثير، وهناك توقع بأن بقية اللاجئين (700 ألف) داخل البوسنة وخارجها سيكون في وسعهم العودة الى بيوتهم في السنوات القليلة المقبلة.
لقد حان الوقت لتقديم المساعدة في اعادة تكوين مجتمع متعدد الأعراق في البوسنة والهرسك. وعلى المجتمع الدولي، واوروبا في المقدمة، الاستمرار في دعم المسلمين الذين كانوا الضحايا الرئيسيين خلال عمليات التطهير العرقي. وعلى المدى البعيد، يجب على أوروبا العمل على ضم البوسنة الى تركيبتها السياسية ـ الاقتصادية، والاجتماعية. ولعل الخطوة الملموسة الاولى هي ضم البوسنة الى المجلس الاستشاري الأوروبي الذي يُتوقع عقده في بدء السنة المقبلة. اما الخطوة الثانية فهي السعي من أجل تحقيق تعاون على مستوى أعلى مع الاتحاد الأوروبي.
إن البوسنة هي المكان الذي يثبت ان مفهوم التصادم بين الحضارات باطل، وهي المكان الذي يثبت ايضا ان الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، قضية كونية.
* المسؤول عن تنفيذ البنود المدنية الخاصة باتفاق دايتون للسلام (1995) في البوسنة والهرسك ـ خدمة "نيويورك تايمز" ـ خاص بـ "الشرق الأوسط"
&