ضرب العراق تجاوز مرحلة التوقعات واقترب من الحسم، والرئيس بوش هدد بغداد في شكل مباشر، وقال إن العراق سيتعرف إلي الرد الأميركي في حال عدم السماح بعودة المفتشين الدوليين للتأكد من أنه لا ينتج أسلحة دمار شامل. والرد الذي يتحدث عنه الرئيس بوش لن يكون تصريحات سياسية ساخنة، أو عقوبات اقتصادية، بل عملاً عسكرياً عنيفاً علي غرار ما جري لأفغانستان، وموسكو هيأت الأجواء للخطوة الأميركية المرتقبة، ورفعت يدها عن تأييد بغداد، وأكدت عجز روسيا عن مقاومة التوجهات والضغوط الأميركية.
النيات الأميركية تجاه العراق تنتظر الوقت المناسب، وبغداد في يدها أن تلغي هذا الوقت وتفوّت علي واشنطن خطة استهدافها، ولكن إذا تعاملت مع قضية المفتشين علي طريقتها التقليدية، وتجاهلت الواقع، فإن العراق مقبل علي مواجهة عسكرية جديدة أشد عنفاً من الضربات السابقة، وربما تسببت في تقسيمه، وزجه في فوضي سياسية وحرب أهلية طاحنة لا تنتهي إلا بمؤتمر علي غرار مؤتمر بون للفصائل الأفغانية.
والمحزن أن الإشارات والتصريحات العراقية منذ 11 أيلول (سبتمبر) تؤكد أن بغداد تتربص بالوقت المناسب الذي تبحث عنه واشنطن، وتذكي المواجهة مع أميركا في شكل متعمد، وتتصلب في مواقف لا تستحق، وتتعاطي مع الأزمة الحالية باعتبارها جزءاً من المماحكة التي تخوضها مع الأمم المتحدة منذ سنوات. لكن النظام يخطئ إذا اعتقد أن مواقفه السابقة ستؤدي إلي عبور هذه الأزمة، لأن ملف المفتشين صار ورقة في ملف الإرهاب، ومسؤولية البحث عن أسلحة دمار شامل في الأراضي العراقية باتت مهمة أميركية. وليس أمام بغداد للخروج من هذا المأزق إلا تغيير منطق أم المعارك ، لئلا يصبح العراق في شكله الحالي جزءاً من التاريخ.
لا شك في أن العراق استطاع خلال السنين العشر الماضية أن يفلت من أزماته السياسية مع الأمم المتحدة، معتمداً علي مواقف روسيا أحياناً، وفرنسا والصين في أحيان أخري، فضلاً عن أن ظروف الحصار وتزايد الأصوات المنادية بوقفه ساعدت بغداد علي التمسك بمواقفها المتصلبة. لكن الظروف اختلفت الآن، والحليف الروسي تحوّل إلي ناطق رسمي للمواقف الأميركية تجاه العراق، وفرنسا والصين أصبحتا جزءاً من الائتلاف الدولي ضد الإرهاب، والعالم ينظر إلي العراق من خلال أحداث 11 أيلول، والمطلوب أن ينظر العراق إلي نفسه من الزاوية ذاتها، كي ينجو من مصير التقسيم والضياع.(الحياة اللندنية)