&
عن الصحراء
&
حينما أرحلُ وراءَ الكلأ،
كما قدروا لي في كُتُبي الأولى،
أحملُ معي بضعَ وريقاتٍ بيضاء،
وجهازَ فاكس، أحيانا، أعتنقُ
جهازَ ووكمان لا يلتقط سوى
محطات الـFM. لا حاجة لي
بموجاتٍ متوسطة، ولا بموجاتٍ
قصار. فالهوائياتُ لا تنفعُ معَ
قفار الربع الخالي، ولا مع نثار
رَبْعي وأخوالي. وأخشى، في
طفرة البحثِ عن حالي وغمْرة
التقاطي لأنفاسي البوالي، أنْ
تلتقطني العواصفُ أو رياحُ
السموم. بدلَ هذا ، أتمرغُ في
أصداءْ عطشى ترتد مع
الشمسِ، حاملةً لي بقايا
لحنٍ قديم. جَمعتْها الريحُ
من كل فج عميق. وحين
أستيقظُ، مذعوراً من قيلولتي،
أنظرُ الى جسدي المجرد،
فاستغربُ: كيف ذا التصقتْ به
إناثُ الرمل. فأفليها من الجسد
كما الشعرة من عجين الروح.
هكذا، مع قطعاني وقطيعتي،
أبقى سارحاً في براريَّ الأولى
الى آخر الأبد، دون أن
يراني أحد.


مأزق
&
كلّما مضيتُ على هامش الطريق
المفضية الى صحارى بعيدة،
تتقطرُ السماء فوق رأسي ندى.
وأنا، تبللني ذكريات المطر.
أحاول أن أنتشل يدي من جيب
المعطف، لأتلمّس ما سقط من
رموش على نظاراتي الشمسية،
فلا أجدُ ما يسدُّ رمق اليدين،
ولا ظمأ العينين. لا أجدُ
ما يعينني على الخروج من
هذا المأزق. وفوق كل ذلك،
لا أستطيع اعادة يدي الى
جيبي الفارغ من عناق
اليدين. وبين هذا وذاك،
لا آبهُ بما يعترضُ طريقي
المنعطفة بالأفكار. لا تمضي
ثانية واحدة حتى أجدني قبلَ
آلاف السنين، ملقياً على حافة
الطريق، ملتفعاً بحنين الضباب
الى أرض الميعاد. اذا نظرتُ
الى نفسي في المرآة أراني
كالشرّيب، مخموراً بما
صنعتْ لي يداي. من فمي
نتأتْ سيجارةٌ محترقة
بالنسيان. والدخان الأبيض
يخرجُ من كل جيوبي
المفتوحة على مصاريعها.

&

الزيتونة

في ساعات العصر،
أنصبُ كفيّ خيمةَ ذكريات
فوق جبيني المتقد، اتقاءَ
غروب الجمر. أحاول
أن أطلقَ سهامَ عيوني الى
الحقول التي انبسطت بحزن
عند أقدام التلال. قممُ الجبال
التي طالما سرّحتُ شعرها
الكثّ، تكتسي الآن بقبعات
مستوردة من قرميد. كلّ
يوم أرى قبعة من جديد.
أسألُ نفسي، أو ما تبقى من
عزّتها، هل تفقسُ البقعاتُ
كما بَيْض العصافير؟ هكذا،
وبرباطة جأشٍ معهودة،
أسترجع بعضَ معلومات كنتُ
تعلّمتها لوحدي في الجبل:
حينما تكبر العصافيرُ، تهجرُ
الأعشاشَ للبراري. لكن هذه
القبعات لا تطير. وفي ساعات
توالي النهار، أنظرُ الى الحقول،
فأرى الظلال تكتسح المزارع.
ورويداً رويداً، تختفي نَصبةُ
الزّيتون عن الأنظار.

&
&
&