&
"كان لنا مجلس تمثيلي مهمته الاساسية ان يقوّي لدينا ارادة العيش المشترك. مجلس يتيح لنا تداول الشأن العام بعيداً من المصالح الطائفية.
فماذا فعل بهذا المجلس الماروني والسني والشيعي والدرزي والأرثوذكسي والكاثوليكي وسواهم ؟
لقد بذل هؤلاء ما في وسعهم لافقاده اعتباره من اجل هدمه".
&
ميشال شيحا
في محاضرة عن "لبنان اليوم"
في حلقة الشبيبة الكاثوليكية (عام 1942)
تساءل اللبنانيون مطلع هذا الاسبوع وهم يصغون الى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع يعلن من قصر بعبدا ان لا خطر على لبنان، ولا على سوريا، في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الارهاب، كما لا ضغوط على اي منهما - تساءلوا عن الجهة الداخلية التي وضعت اللبنانيين في اجواء ضاغطة طوال اسابيع من امكان تعرض بلدهم لاخطار ناشئة من ذيول احداث 11 ايلول الاميركية، مما اشاع جواً من القلق والخوف انعكس جموداً في الاسواق وبلبلة في المصارف، واضطراباً في النفوس. وهذا الجو يشبه الى حدّ بعيد المناخ الذي يشيعه الارهاب في ضحاياه، بحسب التعريف المبسّط للارهاب والذي يُختصر بأنه العمل الذي يُحدث حالة قصوى من الخوف والقلق في النفوس. ولعل الوصف الذي يطول الحيوان هو الابلغ، بمعنى انه& يبدي ظواهر غريبة ناتجة من عمل ارهابي عندما تُنتزع منه طمأنينته. والطمأنينة التي تعرّف الارهاب بنقيضه ليست اكتشافاً في المجتمع المتحضّر، اذ سبق للسياسي الفرنسي الكسي دوتوكفيل الذي قام بجولة في الولايات المتحدة الاميركية مطلع القرن الثامن عشر دامت سبعة اشهر ونشر عام 1835 كتابه الشهير "عن الديموقراطية في اميركا" - ان اكتشف ان ابرز ما انتجته الديموقراطية في العالم الجديد هو الطمأنينة التي قال "اني احسد الاميركيين عليها"، وقد تجلّت في التزام الاميركي اعتبار نفسه "معنياً بالأمن وبحسن تطبيق القانون بدل الاعتماد على الشرطة". واضاف: "انه لأمر مدهش، يكاد لا يصدق".
ولاحظ ان اطمئنانهم قد يكون نابعاً من عدم "حاجتهم الى قوة السلطة على نحو لا يقاوم (...) وربما كان السر في ان هؤلاء هم الذين وضعوا القانون، ويتمسكون بتطبيقه بحذافيره ليقينهم ان في وسعهم تغييره متى ما يشاؤون".
ولقد وجد اللبنانيون ايجابية في زيارة وزير الخارجية السوري، اذ طمأنهم الى ان لا موجب للخوف والاضطراب، لان لا خطر على لبنان ولا ضغط عليه، ولا حتى على "حزب الله" الذي لا ينطبق عليه تعريف الامم المتحدة للارهاب، وهو تعريف موجود منذ قرابة نصف قرن، وإن زعم جهله الذين يريدون للبنان ان يبقى اسير الخوف والقلق، الخوف من ضغوط الحاضر، والقلق على المستقبل في ظل سيادة منقوصة واستقلال مقيد، وقرار موضوع تحت وصاية خارجية.
ففي الدورة 320 للجمعية العمومية للامم المتحدة التي انعقدت في 12 كانون الاول 1950 كلفت لجنة خاصة وضع تحديد للارهاب، الى قانون لمعاقبة مجرمي الحرب، وقد انطبق الامر آنذاك على النازية والنازيين. وتناول القانون الاجتياحات والاعداد لاطاحة الانظمة السياسية ومختلف انواع المذابح. وهو صالح للتطبيق في ايامنا هذه على آرييل شارون سفاح القرن، ودولة اسرائيل المتنكرة للقوانين والقرارات الدولية.
كذلك جرى تحديد الارهاب في المعاهدة الاوروبية التي وقعت في 10 تشرين الاول 1976 وفيها قرر المجلس الاوروبي عدم اعتبار الاعمال الارهابية جرائم سياسية وخصوصاً انه يصعب تمييزها عن الجرائم العادية.
وقد جرى آنذاك تبني تعريف وكالة الاستخبارات الاميركية للارهاب على انه الجرائم التي تتعدى حدود الدول ويرتكبها اجانب فوق ارض دولة معينة او ضد شخص او اشخاص من دولة معينة فوق ارض دولة اخرى، والتي يصعب تمييزها عن الجرائم العادية وتستهدف زعزعة الاستقرار وازالة الاطمئنان من النفوس.
الا ان اللبنانيين، مع ترحيبهم بالايجابية السورية، معطوفة على تجاوب مع "الرؤية" الاميركية لسبل انهاء العنف في الشرق الاوسط، لا يرون ان سوريا مؤهلة لان تحدد، وإن بالتعاون مع لبنان، مفهوم الارهاب على نحو علمي وموضوعي، لاعتبارات كثيرة ابرزها ان ثمة تعارضاً في المفهوم والممارسة بين سوريا التي تحكمها انظمة الطوارئ التي لا تقيم اعتباراً للحريات وحقوق الانسان، على مختلف الصعد، ومفهوم الارهاب انطلاقاً من نقيضه اي الشعور بالاطمئنان الى الحقوق والحريات وحكم القانون.
يضاف الى ذلك ان الدور السوري في لبنان لا يوحي هذا الاطمئنان، ليس لعدم تطبيق سوريا ما يعنيها من اتفاق الطائف وتدخّلها في شتى نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والامنية والديبلوماسية - وهي لا تنكر ذلك وتبرره بالعلاقات الانسانية والتاريخية بين الشعبين السوري واللبناني، والاتفاقات والمواثيق المعقودة بين البلدين - بل للخوف المؤدي الى الاكراه، وهذا تعريف حضاري للارهاب، مما سيحصل في الصراع مع اسرائيل في حال خرج الجيش السوري من لبنان ! واحياناً من انعكاسات هذا الخروج على الوضع الداخلي اللبناني وامكان تجدد النزاعات الدموية بين اللبنانيين. ويستعين اصحاب هذه النظرية بـ"الهدوء" الذي ساد الشارع اللبناني بعد احداث 11 ايلول الاميركية ويعزون ذلك الى الدور السوري وامساكه بهذا الشارع ، رغم بعض الخروق التي حصلت في القاء عبوات على بعض دور العبادة المسيحية والاسلامية.
ان هذا الجو كاف وحده لاظهار مدى عدم الاطمئنان الذي يستشعره اللبنانيون حيال ما يجري حولهم. وهم يرونه امامهم في العجز المالي الذي ترزح تحته الدولة، وفي استشراء الفساد في الادارة، وفي عدم& قدرة الحكومة على توفير توافق على تعيين موظفي الفئة الاولى والذي يكاد يتحول بازاراً شبيهاً بسوق الدلالة، حيث كل فريق يحاول نتش حصته من سلة التعيينات، فضلاً عن "العجز الدائم" عن ارسال الجيش الى الجنوب لتسلم الارض المحررة، واخيراً وليس آخراً حل ازمة كهرباء لبنان واعادة النور الى المصابيح والاطمئنان الى النفوس. والدولة هنا لا تبدو انها في مأمن من الخطر والضغط، على ما قال وزير الخارجية السوري، بل غير قادرة على حكم نفسها بنفسها، وبأن تكون للبنان الحكومة التي يريد، والمجلس الذي يريد، والقضاء المستقل والنزيه الذي يستحق.
وكان الاولى بالوفد السوري السياسي والامني الذي سبقته اخبار انه يحمل رسالة خطية من الرئيس السوري بشار الاسد الى الرئيس العماد اميل لحود - ثم تبين ان لا رسالة - ان يأتي بالرسالة المنتظرة، اذا تعذّر حضور الرئيس السوري الى بعبدا لتُفضّ امام الرؤساء الثلاثة واركان المعارضة، وهذا هو الظرف المناسب للتشاور معهم - وفيها دعوة الى لقاء سوري - لبناني قريب، تشارك فيه المعارضة كذلك، لتصويب العلاقات بين البلدين وانهاء كل ما يسبب القلق والتحفظ للبنانيين ويحوطهم باجواء من عدم الاطمئنان والارتياح تماماً كالاجواء التي تنتج من الارهاب المؤدي الى الاكراه،& بدل دعوة لبنان الى ارسال وفد ديبلوماسي الى سوريا من اجل اعداد اجوبة مشتركة عن قرار الامم المتحدة رقم 1373 المتعلق بمكافحة الارهاب، ولبنان في هذا الموقف مكره وليس حراً.
وليس ضرورياً ان يتعرض البلد لعنف ارهابي حتى يكون ضحية، اذ يكفي الا يكون سيداً كفاية، ومستقلاً& كفاية، وحراً كفاية، حتى يشعر بمثل القلق الذي يشيعه الارهاب في النفوس.
وربما كان للبنان وسوريا ان يشرعا في تعريف ما يُطمئن ويُريح، ويُفرح، قبل البحث في ما يُخيف ويُرهب. (النهار اللبنانية)
&