&
أي قوة قادرة علي الحؤول دون نجاح صقور الادارة الاميركية في ترجمة الرغبة في ضرب العراق الي واقع؟ وما هي الأوراق التي في حوزة الدول العربية الرافضة لضرب العراق والمحذرة منه، والتي تمكنها من الحؤول دون هذا الخيار؟
الجواب سلبي طبعاً.
ثمة توجه لدي الصقور الأميركيين الممثلين بنائب وزير الدفاع الاميركي بول وولفوويتز، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، وغيرهما بأن الفرصة سانحة لتحقيق ما لم يتحقق في السابق، اي الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين ما دامت عدة الشغل التي أطاحت بنظام طالبان في افغانستان مستنفرة. ويدعو هؤلاء الي بناء حال قتالية (شبيهة بتحالف الشمال) مؤلفة من المعارضة العراقية الشيعية والكردية ضد النظام العراقي، اضافة الي لافتة المعارضة المجتمعة في اطار المؤتمر الوطني العراقي (المتواضعة الوجود العسكري)، تمهيداً لتطبيق النموذج الافغاني في احداث التغيير في بغداد. ومع ان معظم الدول العربية التي رفضت هذا الخيار بشدة ليس من النوع الذي يأسف علي رحيل صدام حسين، فإن تحذيرها من هذه المغامرة يعود الي ادراكها مخاطرها الميدانية والتقسيمية لبلاد ما بين النهرين جغرافيا ومذهبياً، والتي تنعكس في شكل دراماتيكي علي المنطقة بأسرها وتزيد من عوامل نمو التيارات المتطرفة، وتقزّم المجموعة العربية اكثر من التحجيم الذي اصابها، علي الساحتين الدولية والاقليمية، وفي ميزان القوي مع اسرائيل، بعد الحرب الاولي ضد العراق اثر غزوه الكويت.
ولا تبدو التحذيرات العربية والمواقف الاوروبية من انتقال الحملة العسكرية الي العراق فاعلة في واشنطن، فحتي التيار المعتدل الداعي الي اخذ مصالح الدول العربية الحليفة في الاعتبار، في الحرب علي افغانستان، والمتمثل بوزير الخارجية كولن باول، لن يقاوم هذا الخيار، لأن الأخير ركن اساسي من اركان الحرب الاولي علي العراق.
ومن الواضح ان واشنطن تهيئ الظروف والرأي العام الدولي لهذا الخيار علي رغم ابلاغ جميع دول الائتلاف، من روسيا الي المانيا وفرنسا وبريطانيا، الرئيس الاميركي جورج بوش منذ البداية معارضتها توسيع الحرب الي دول اخري، وحصر الأمر بالرد علي مصادر هجمات 11 ايلول (سبتمبر)، والاكتفاء بمواصلة الجهود الديبلوماسية والسياسية لاجتثاث مصادر الارهاب. فالحديث استمر في الادارة الاميركية علي احتمالات الحملة ضد كوريا الشمالية والصومال والعراق. واسرائيل تهيئ العدة للمشاركة في الحملة علي بغداد، بحجة انها ستضطر الي الرد علي قيام العراق بضربها انتقاماً من العمليات العسكرية ضدها. كما انها تمهد لتهيئة الرأي العام لديها عبر اصدار تعليمات للمواطنين بكيفية مواجهة هجوم بيولوجي (!) وأقصي ما يمكن للحلفاء المعارضين للخيار فعله هو تأجيل الامر بضعة أشهر بحجة تمديد برنامج النفط في مقابل الغذاء ستة اشهر اخري في قرار مجلس الأمن الذي سيصدر اليوم، وسعي روسيا الي اقناع بغداد بعودة المفتشين عن اسلحة الدمار الشامل اليها... وقد تقبل واشنطن بهذا التمديد، لحاجتها الي الوقت من اجل ترتيب حربها الجديدة مع الدولتين الرئيستين المجاورتين، ايران اولاً وتركيا ثانياً (والاخيرة لن تتردد كثير امام الاصرار الاميركي علي رغم معارضتها العلنية والخجولة).
هذا يجعل مصير الوضع العربي في يد طهران وأنقرة... فأي مساومة ستعرضها اميركا علي الدولتين كي تسهما في الخيار الذي تسعي اليه؟(الحياة اللندنية)