باريس - من جورج ساسين: لولا التقاليد الجمهورية العلمانية في فرنسا، لكان رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان أطلق على العشاء الذي اقامه امس في "اوتيل ماتينيون" للمرة الاولى على شرف اعضاء المجلس الاستشاري حول الاسلام، تسمية افطار ليكون اكثر انسجاماً وشهر رمضان. ولعلّ هذه المناسبة تعتبر استكمالاً& للعشاء الذي حضره السبت الماضي تلبية لدعوة المجلس التمثيلي للمؤسسات والجمعيات اليهودية الامر الذي اعطى انطباعاً ان رئيس الوزراء اراد اضفاء توازن ما.
وبدا تعاقب هذين الموعدين لافتاً لاشتداد السباق بين رأسي السلطة التنفيذية على خطب ود المسلمين واليهود قبل الانتخابات الرئاسية والنيابية المقرر اجراؤها في الربيع المقبل. وليس الموقف الذي اطلقه الحاخام الاكبر في فرنسا جوزف سيتروك بعيداً عن هذه الاجواء، اذ اعتبر ان "وضعاً جديداً "يكاد يمسك بالشؤون السياسية في فرنسا ويحدد وجهة المستقبل على المدى المتوسط، وذلك "بسبب& الحساب الطائش الذي تجريه السلطات الرسمية المسؤولة (...) فبمجرد وجود خمسة او ستة ملايين مسلم في فرنسا و600 الف يهودي فقط ، يصبح جلياً ان يستقطب المسلمون اهتماماً اكبر".
وعلى رغم هذا التحذير العلني، كانت لرئيس الوزراء الفرنسي "جولة دردشة" مع الحاخام الاكبر في شأن الهواجس والتطلعات.
وتحدث جوسبان في كلمة القاها في العشاء الذي حضره 11 وزيراً من حكومته ورئيس مجلس الشيوخ كريستيان بونسيليه فضلاً عن شخصيات سياسية من مختلف الاحزاب، عن اهمية الاستحقاق الانتخابي المقبل وضرورة حسم الناخبين خياراتهم ، مشيراً الى ان "من المحتمل جداً ان تستضيفوا في العشاء السنوي السنة المقبلة رئيساً آخر للحكومة"، وقد بدت على وجهه ابتسامة ماكرة مؤشراً لاستدراره "عطف الاصوات اليهودية" وثقته بالفوز في الانتخابات الرئاسية.
وجاء ردّ رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية روجيه كوكرمان سريعاً، اذ وجه اليه التحية والثناء، وركز& على دوره "الطليعي" في تسمية "الحركات الارهابية" باسمائها، في اشارة الى وصفه عمليات "حزب الله" ضد الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان بانها "ارهابية"، وذلك لدى زيارته في شباط 2000 لاسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية. ثم خاطبه مباشرة قائلاً: "نأمل من جميع من رجمك ادبياً واخلاقياً، ان يعترف اليوم بخطئه". واكد ان "جزار صبرا وشاتيلا ليس يهودياً، بل هو مسيحي لبناني يدعى ايلي حبيقة، وهو وزير سابق في حكومة رفيق الحريري". لكنه لم يتوان عن انتقاد حكومة جوسبان "لتساهلها" مع "عودة ظهور الكراهية لليهود في فرنسا"، وارتفاع "أصوات تنادي بقتل اليهود وذلك& للمرة الاولى منذ نصف قرن"، فضلاً عن اطلاق من احرقوا معابد يهودية في فرنسا او اعتدوا عليها. كذلك لم يستثن في انتقاداته وزارة الخارجية الفرنسية "لمعارضتها انتهاكات (اسرائيل) الحق الانساني" في المناطق الفلسطينية.
وفي المقابل، أعرب جوسبان عن "عزمه المطلق" على محاربة اللاسامية وقال ان " لا مهادنة لمن يقوم باعمال عنصرية" اياً تكن ديانته او لون بشرته، وان وزير الداخلية دانيال فايان سيكون أكثر تشدداً في هذا الامر. وتحدث عن ترتيبات لعقد مؤتمر عن "المحرقة" السنة المقبلة، مذكّراً بالتعويضات التي اقرّتها حكومته لذوي الضحايا من اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.وفي موقف لافت، رأى ان "وحده الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة كاملة السيادة (استخدم هذه العبارة للمرة الاولى) يمكن ان يجلب للاسرائيليين الامن والسلام. وسياسة المستوطنات تشكل عقبة امام هذا السلام. وكل عمل او نشاط يهدف الى اضعاف السلطة الفلسطينية قد يرتد على اسرائيل في المستقبل". وأوضح ان هذه المكاشفة المتوازنة مردها الى "الصداقة" لاسرائيل، وان يكن لم يغب عن باله حجم الدور الذي قد يضطلع به الناخبون المسلمون، وخصوصاً ذوو الاصول المغاربية.
وفي هذا السياق، استرعى الانتباه تعليق لرئيس الجمعية الوطنية ريمون فورني (من الحزب الاشتراكي) انتقد فيه الرغبة الواضحة لرئيس الجمهورية جاك شيراك في استمالة الناخبين المغاربة، وخصوصاً خلال جولته في نهاية الاسبوع في كل من تونس والجزائر والمغرب وزيارته لحي باب الواد الشعبي في الجزائر العاصمة.وجاء هذا الموقف رداً على ما قاله شيراك عن الجالية الجزائرية في فرنسا اذ اعتبرها "واقعاً يشكل جزءا من لحمنا ويساهم في كل افراحنا ومآسينا".
ومما لا شك فيه ان الاصوات المغاربية التي يجرى التنافس عليها سترجح كفة شيراك او جوسبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة،& بعدما كسرت احزاب اليمين "الاحتكار النظري" لائتلاف اليسار للناخبين ذوي الاصول العربية والاسلامية، فضلاً عن وعي الاجيال الجديدة& في هذه الجاليات لحجم مصالحها في حال مشاركتها بكثافة في الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة وما يمكن ان يؤمن لها& ذلك من جسر للعبور الى جنة العمل السياسي في البرلمان بعد عمليات الخلط المتعمد بين الاسلام والارهاب.
وستشكل الانتخابات التي سيشارك فيها المسلمون في فرنسا مطلع السنة المقبلة لاختيار مجلسهم التمثيلي للمرة الاولى،& الاختبار الاكبر لقدرة هؤلاء على فتح صفحة جديدة واعدة بعيداً عن التجاذبات التاريخية وعمليات الاستقطاب وهو ما لمسه بالتأكيد جوسبان خلال "الافطار" في "اوتيل ماتينيون".(النهار اللبنانية)
&