استبق رئيس الحكومة الاسرائيلية جميع النقاشات والسجالات وقرر ارسال طائراته لضرب السلطة الفلسطينية في اشد رموزها وضوحاً: مقرات الرئاسة الفلسطينية، وقد أراد من وراء ذلك ليس فقط توجيه رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية، وانما كذلك ارسال نسخ من هذه الرسالة الى اليمين الاسرائيلي، سواء داخل الليكود او خارجه، وإلى حزب العمل.
وقد اتخذ شارون قراره هذا برغم معارضة شريكيه في مثلث القرار العملياتي: وزير الدفاع بنيامين بن اليعزر ووزير الخارجية شمعون بيريز. وكان يعلم ان الاجواء العامة في اسرائيل لا تتيح كثيراً لحزب العمل ان يتذمر من ذلك، كما ان الاجواء الدولية، خاصة الاميركية لا تضع اي عقبات جدية في هذا الطريق، فقرر العمل على ارضاء اليمين الاسرائيلي المتطرف.
وقد أتبع القصف الجوي بقصف اعلامي اوضح فيه ان رئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات هو المسؤول الاول في نظره عن العمليات التي وقعت وانه سوف يتعامل معه، ومع السلطة الفلسطينية وفق ذلك. وكان يعرف انه عبر الاقتراب الشديد من مواقف اليمين الاقصى يحول دون تنفيذ قادة هذا اليمين لتهديداتهم بالانسحاب من حكومته. ويعرف كذلك ان <<المسؤولية>> التي يتحلى بها قادة حزب العمل تحول دون تركهم الحكومة في مثل هذه الاوقات بالذات. ففي الاعتبارات الاسرائيلية الداخلية، يعتبر مثل هذا السلوك <<هروباً من المعركة>>.
ولكن شارون، المضطر، ليس فقط لاسباب <<وطنية>>، وانما كذلك لاسباب شخصية، للمحافظة على حكومته وجد نفسه يوم امس امام سيل جديد من التهديدات بالاستقالة والانسحاب من الحكومة. فاليمين الاقصى، وفي مقدمته وزير البنى التحتية، افيغدور ليبرمان ووزير السياحة، بني ألون عرضا امام الحكومة الاسرائيلية وشارون صيغة إنذارية لقبول مسودة قرار يقضي باعتبار السلطة الفلسطينية، كياناً إرهابيا او كياناً يدعم الارهاب، والتصرف وفق ذلك. ورأى <<الاتحاد القومي اسرائيل بيتنا>> ان وزراءه سوف ينسحبون من الحكومة في حال عدم القبول بهذه الصيغة.
وفي المقابل، قدمت نائبة وزير الدفاع، ابنة اسحق رابين، داليا إنذارها القاضي بانسحابها من الحكومة في حال القبول بأي صيغة تقود الى القضاء على السلطة الفلسطينية. والواقع ان انذار داليا رابين يشير الى اجواء شائعة في صفوف حزب العمل الذي بات يرى نفسه منجراً خلف خطوات شارون لارضاء اليمين المتطرف.
وكانت الخلافات داخل الحكومة الاسرائيلية قد ظهرت الى العلن عندما خرج وزير الاتصالات، افرايم سنيه ليعلن أنه لا يرى في القصف الجوي أي حكمة عملية أو سياسية. وأفصح عن رأيه بأن مثل هذه العمليات لا تحقق أية نتائج في محاربة ما أسماه بالإرهاب، وان حزب العمل يعارض ذلك. وبعد ذلك خرج الوزير رعنان كوهين ليعلن ان <<هذا الهجوم ربما يمنح الجمهور شعورا طيبا. ولكن ينبغي العمل باتزان وحكمة وعبر معرفة النتائج، التي يمكن أن تكون خطيرة>>.
وكان يوسي ساريد، زعيم حركة ميرتس قد وصف الهجوم الإسرائيلي بالمثير للهزء، لأنه ليس فيه ما يشكل رادعا لأحد. وقد تساءل عن الفائدة التي تجنيها إسرائيل من وراء تدمير مروحيات عرفات وعن<<اثر ذلك في محاربة الإرهاب>>.
ومعروف أن السجال احتد بين شارون وبيريز في المناقشات الأولية التي عقدت حال عودة شارون الى إسرائيل. وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، أفصح بيريز في هذه المناقشات عن رأيه بأن كل مساس بمكانة رئيس السلطة الفلسطينية سوف يلحق ضررا بالغا بإسرائيل، لأن البديل القائم له هو حماس والجهاد الإسلامي. ويرى بيريز ان هذه المنظمات لن تتأثر بأي ضغط غربي عليها ولا يمكن ممارسة الضغط عليها لوقف النار. وكذلك أبدى بن أليعزر موقفا مشابها معارضا لأي مساس بمكانة عرفات.
ولكن اليمين هلل للقصف الجوي وطالب بالمزيد من العمليات. ومن شبه المؤكد ان توازنات ما قبل الاجتماع تقود إلى قرارات تحاول المحافظة على حكومة الوحدة. وهذا يعني عدم حسم الموقف بصورة قاطعة من السلطة الفلسطينية ورئيسها. وقد أشارت تسريبات أولية الى ان القرار النهائي سوف يشمل مواقف متشددة ضد حركة فتح، بل وضد القوة 17 إضافة الى باقي المنظمات الفلسطينية، ولكنه لن يحرق الجسور مع السلطة الفلسطينية.
غير ان قرارا <<مائعاً>> من هذا القبيل، كما يراه اليمين المتطرف قد لا يكفي، وخاصة ان تيار بنيامين نتنياهو بدأ بالعمل لاستبدال زعامة اليمين. ولذلك ليس من المستبعد ان ينشق اليمين الأقصى عن الحكومة في وقت قريب، خاصة بعد ان باتت قوى عديدة في صفوف اليمين تراهن على إمكانية الاستفادة من هذه الأجواء لتحقيق أهداف انتخابية.(السفير اللبنانية)
&