أقيمت الامم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية حتى لا تصير الساحة الدولية نهباً لشريعة الغاب بحلول مبدأ الحق للقوة محل مبدأ القوة للحق، فلم تنجح في كثير من الحالات في أداء دور المرجعية الصالحة لحل النزاعات سلميا، وكان في مقدمها قضية فلسطين. عمدت اسرائيل الى البطش فكان الرد عليها بالانتفاضة.
بعد أحداث الحادي عشر من ايلول في نيويورك وواشنطن فرضت اميركا نفسها شرطي العالم، فاستأثرت بحق التدخل العسكري من دون الرجوع الى الامم المتحدة، وفتحت بذلك الطريق مجددا امام اسرائيل للسير على خطاها في فلسطين فلم يعد في العالم متسع لقوة الحق والعدالة. وكانت اولى ضحايا هذه السياسة القيم التي كانت اميركا تتبناها في العلاقات الدولية، على الاقل لفظا، اي الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان في وطنه.
إن الديموقراطية هي، أساسا، آلية للتعبير عن ارادة الشعوب وخياراتها وطموحاتها، وليس من يسأل ماذا يريد الشعب الفلسطيني، وليس هناك من يعترف له بحقه في تقرير المصير، فتحول الفرد الفلسطيني قنبلة بشرية لا حسابات لها في منطق الحروب التقليدية وأمسى الفرد الفلسطيني يتحدى تكنولوجيا الحرب المتطورة، كما فعل لبنان في مقاومة الاحتلال.
شهدت الساحة الدولية نزاعا من نوع جديد بين دعاة العولمة وخصومها، فدعاتها ينطلقون من واقع فرضته التطورات على صعيد الاتصالات والمعلومات والمواصلات، وهو ان الدنيا تقلصت الى حجم القرية الكونية بما يعني ذلك من تشابك وتداخل في المصالح الدولية، فطُرح شعار العولمة سبيلا لتنظيم العلاقات الدولية على حساب سيادة الدول، وكان من تجليات هذا الواقع قيام الاتحاد الاوروبي الذي أخذ يوحد بين السياسات والانظمة وقواعد العمل ضمن المجموعة الاوروبية الآخذة في التوسع، وبلغت هذه الاجراءات الذروة حاليا في توحيد النقد الاوروبي باصدار اليورو، وفي هذا الصدد يمكن ايضا الحديث عن الـ"نافتا" اي منطقة التجارة الحرة في اميركا الشمالية والتي ضمت الولايات المتحدة الاميركية وكندا والمكسيك.
في المقابل نشأت مدارس فكرية تندد بظاهرة العولمة كونها تجعل الصغير في مواجهة الكبير والضعيف في مواجهة القوي من دون ضوابط او ضمانات، الامر الذي يضمن للكبير والقوي التحكم في مصائر الشعوب، وسرعان ما ظهر ان العولمة هي الأمركة بعدما بدا جليا ان الولايات المتحدة هي الاكبر في حجم اقتصادها وهي الاقوى اقتصاديا وعسكريا. فنمت تيارات ترفض العولمة من باب رفض الأمركة. وجاءت الحرب على افغانستان وقبلها حرب التحرير الفلسطينية المسماة انتفاضة، مصداقا، للتماهي القائم بين العولمة والأمركة.
في خضم ذلك كله ضاعت مفاهيم الشرعية الدولية، وكثيرون يرفضون ان تكون اميركا فيصل هذه الشرعية، اما ضياع مفاهيم الشرعية الدولية او اهتزازها على الاقل فانه تطور في غاية الخطورة، فبديل الشرعية الدولية سيكون بالتأكيد شريعة الغاب في الميدان الدولي وعلى حساب الحق والعدالة. اما الرد العربي فلا يكون الا بتعزيز اسباب التضامن الى أبعد الحدود وفي كل المجالات والسير في مشروع المنطقة العربية الحرة.
(*) من على فراش المرض كتب الرئيس سليم الحص أمس هذه الخواطر. (النهار اللبنانية)
&