بضغوط أميركية هدفها منع ظهور حركة طالبان أخرى في المستقبل، تسعي باكستان إلي تشكيل مجلس يضم بعض المسؤولين والعلماء، من أجل وضع ميثاق شرف يحكم النشاطات الإسلامية للحد من نشاطات الجماعات الإسلامية، وإعادة النظر في المدارس الدينية ومناهجها وأساليب عملها. وتعهد بنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي والحكومة الأميركية وبعض الحكومات الغربية، تقديم مساعدات من أجل مواجهة المدارس الدينية التقليدية التابعة للجماعات الإسلامية، وإقامة مدارس دينية عصرية.
أصبحت أميركا تتعامل مع معتقدات الشعوب وثقافاتها كجزء من حملتها علي الإرهاب، ويبدو أن تغيير المناهج والمدارس لا يختلف في نظر الإدارة الأميركية عن تجميد الأرصدة، وملاحقة المشتبه في تورطهم بعمليات إرهابية. والضغوط الأميركية علي باكستان وغيرها من الدول الإسلامية للحد من نشاطات الجماعات والجمعيات الإسلامية، وإعادة النظر في مناهج التعليم، ستأتي بنتائج عكسية إذا استمرت واشنطن تديرها علي طريقة من ليس معنا فهو ضدنا .
لكن الأسلوب الأميركي في التعاطي مع الأزمة، ومحاولة فرض التغيير بالقوة، لا يغيران حقيقة أن الدول العربية والإسلامية مطالبة في المرحلة المقبلة بتحييد الفكر المتشدد وإضعاف تأثيره، وتشجيع ثقافة التسامح والتعايش مع الآخر، وقطع الطريق علي أولئك الذين يريدون تصوير ما يجري علي أنه صراع حضارات، وتصحيح تلك الصورة المغرقة في العداوة والكره للآخر التي يدعو لها بعض المسلمين. فالإسلام دين التسامح والتعايش، وعمر بن الخطاب أمر للكتابي بزكاة من بيت المال، والإسلام أباح للمسلم الزواج من الكتابية، ولو أصرت علي البقاء علي دينها، ولو أن الإسلام يصل في كرهه لأهل الكتاب إلي هذه الدرجة لحرّم مثل هذا الارتباط المقدس، فضلاً عن أن العدل أساس من أسس الإسلام، وشرط في التعامل مع الآخر ولو كان مخالفاً. لكن هذه الرؤية المتسامحة شبه مغيّبة في بعض مناهجنا التعليمية، وأساليبنا الدعوية، ويجب أن نعيدها من خلال الحوار بين علمائنا ومثقفينا وبعيداً عن ضغوط الآخرين ومصالح السياسة، والأهم ألا نؤجل هذه الخطوة بدعوي عدم الخضوع للضغوط الغربية.(الحياة اللندنية)