باريس - من سامي نزيه: تتعدد الاحتمالات والتحليلات التي تسوقها الاوساط الفرنسية حيال الحرب التي يشنها آرييل شارون ضد الاراضي الفلسطينية، فاذا كان وزير الخارجية هوبير فيدرين يصف محاولة تدمير السلطة بـ "الخطأ المميت" ويعرب عن خشيته من ان تكون هذه السياسة المتعمدة التي تعتمدها الحكومة الاسرائيلية تنحوصوب الاسوأ، فان الكلام الفرنسي غير الرسمي يوحي بمستقبل قاتم سيما اذا ما كانت الولايات المتحدة اعطت "الضوء الاخضر" لشارون لكي ينفذ ضد الفلسطينيين ما تقوم به هي نفسها ضد "الطالبان",
وكان فيدرين دعا إلى التمييز بين برنامج حركة "حماس" الذي يريد تدمير دولة اسرائيل، وبين برنامج السلطة المطالبة بدولة قابلة للحياة، واعتبر ان الحل السياسي يكمن في قيام هذه الدولة".
والواضح وفق الاوساط الفرنسية ان شارون لا يريد في الوقت الراهن استهداف شخص رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات وانما اضعافه وشل قدرته على المناورة، بحيث يصبح التفاوض معه لاحقا (هذا اذا كان عقل شارون يسمح بعد بالتفاوض)، من موقع ضعف، ما يجعل اقامة الدولة الفلسطينية "القابلة للحياة"(وفق التوصيف الاوروبي لها) صعبا، ويبقي على المستوطنات ويبعد التفكير باي حل في شان اللاجئين اوالقدس,
فشارون تعمد قبل وصول المبعوثين الاميركيين انتوني زيني ووليام بيرنز الى المنطقة اغتيال محمود ابوهنود المسؤول العسكري لحركة حماس، وكأنه يقطع الطريق على اية ضغوط محتملة على اسرائيل، ويجعل التفكير بتسوية سياسة تؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية بعيد المنال (وفي ذلك ما يدغدغ طبعا يمينه المتطرف),
وتشعر فرنسا بان عرفات يستطيع تفادي اية مخاطر كبيرة من خلال الاتفاق مع اسرائيل على "مبادرة" فلسطينية - اسرائيلية تضع حدا للنشاطات الارهابية من الجانبين بما يعني اتخاذ اجراءات قاسية ضد "حماس" و"الجهاد" ووقف الاغتيالات المتعمدة.
وكان فيدرين في السابق، اول من شجب زيارة شارون لساحة المسجد الاقصى، واعتبر انه يتبع سياسة "كوارثية" وحمله آنذاك مسؤولية اندلاع الانتفاضة الثانية، كما انه دعا قبل بضعة اسابيع الى اقامة الدولة الفلسطينية ان تكون عاصمتها "في القدس الشرقية",ورفض فيدرين اتهامات اسرائيل للسلطة بدعم ارهاب، معتبرا ان الاتهام"ينطوي على مغالطة رهيبة ينبثق عنها كل ما تبقى، وان عرفات قد اضعف بسبب عمليات الجيش الاسرائيلي المتكررة، ثم ان (اسرائيل تستخدم) الضعف الذي اصابه كذريعة للقول بانه لم يتمكن من احلال الامن في مناطقه فينبغي الغاؤه".
وذهب وزير الخارجية الفرنسي ابعد من ذلك بقوله "ان هذه السياسة تبدومتعمدة وان الاعمال العسكرية التي تستهدف السلطة الفلسطينية تجعلها اكثر ضعفا وتحد من قدرتها على السيطرة على الارهاب ثم يطلب منها القيام بجهود بنسبة مئة في المئة ما يجعلها امام اختبار مستحيل".
ولم يخف فيدرين قلقه من ان يكون خلف ذلك "عزم على انتهاج سياسة الاسوأ بغية ازالة الدولة الفلسطينية بحيث لا يعود هناك في مواجهة اسرائيل سوى كتلة من الفلسطينيين البائسين يصبح لحماس نفوذ نهائي عليهم، وحينها سنسمع بعض المسؤولين الاسرائيليين يقولون: ترون ؟ ليس بالامكان اعطاء دولة لمثل هؤلاء الاشخاص الذين يقفون في مواجهتنا".
اما وزير الدفاع الفرنسي ألآن ريشار فانه جذف كعادته في الكثير من المرات (حين يتعلق الامر بالشرق الاوسط) بعكس تيار الخارجية وبدا متبينا للموقف الاسرائيلي وداعما له حيث قال "نقول لاصدقائنا الاسرائيليين انه من المنطقي ممارسة ضغوط لدفع السلطة الفلسطينية الى اتخاذ اقصى المسؤوليات لاعادة بناء السلام، ولكن لوذهبنا في اتجاه اضعاف السلطة فاننا نخاطر سويا بفقدان شريك في سعينا إلى بناء السلام".
ونفى الناطق باسم الخارجية الفرنسية فرنسوا ريفاسوان يكون ثمة تباين بين موقفي فيدرين وريشار، مؤكدا ان "فرنسا تتحدث بصوت واحد، وان تصريح ريشار قد يكون مجتزءا اواخرج من اطاره العام".
وحين سئل ريفاسوفي خلال اللقاء الاسبوعي مع الصحافة اذا ما كانت فرنسا تطالب علنا بوقف الغارات الاسرائيلية فورا، اجاب "هذا امر بديهي".
لكن وخلافا للفكرة الثابتة حول شارون في اذهان الكثير من الدول بانه لا يريد اية تسوية ويفضل منطق الحرب على اية تسوية، فان الاوساط الفرنسية تعتبر ان " شارون براغماتي " بمعنى انه لا يغلق كل الابواب وانما يترك في يده اكثر من ورقة يلعبها حين تحين الفرص, ولعل هاجسه الراهن هو" البقاء سياسيا على الحياة خصوصا ان يميينه المتطرف يطالبه بالكثير " لكن هذا لا يعني انه لا يفكر بسيناريوهات اخرى كمثل ان يدمر السلطة ثم يقف في مواجهة الاسلاميين ليقول ان الحل السياسي مستحيل معهم وان الاسلوب الوحيد هوالحل الامني.
ومن هنا فان الاوساط الفرنسية ترى ان الوضع "خطير جدا وقد بلغ خطا احمر" وتشعر ربما اليوم واكثر من اي وقت مضى بان ثمة فرصة ثمينة للسلام تضيع وان المستفيدين من ذلك كثيرون حتى ولوان نهاية المطاف ستكون الجلوس على طاولة مفاوضات واحدة, (رغم ان اسرائيل والولايات المتحدة متحفظتان حتى الان على دعوة شيراك إلى طاولة سلام).
ولكن السؤال الابرز عند الفرنسيين يبقى التالي: هل ان شارون قرر اعتماد سياسة الاسوأ, وهل ان اسرائيل ستمضي في هذا المنطق ما يجعل احتمال اتساع رقة الحرب وارد؟ الاوساط الفرنسية تعتبر ان كل المسألة تبقى مرتبطة اولا واخيرا بالولايات المتحدة، وثمة اعتقاد بان ما يجري في الوقت الراهن لا يمكن ان يستمر ولا ان يتطور نحوحرب شاملة، ولذلك فان المنطق يفرض اعادة الطرفين الى طاولة التفاوض, وربما الحرب الدائرة اليوم هي لتحديد سقف التفاوض.(الرأي العام الكويتية)