اكثر من مرة اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش ان الحرب ضد الارهاب لا تقتصر على افغانستان وتنظيم "القاعدة".
واكثر من مرة اوضح مسؤولون اميركيون آخرون ان الرئىس لم يتخذ قرارا في شأن اي بلد ستطوله الحملة على الارهاب بعد افغانستان، لكنهم جميعا اكدوا ان الحملة ستستمر.
بدا في بعض تصريحات بوش ان البلد المعني هو العراق، ولا شك، الا ان ردود الفعل& الدولية والعربية المعارضة جعلت مسؤولين اميركيين ادنى رتبة يؤكدون ان القرار لم يتخذ بعد في شأن العراق او غيره.
الى ان تصاعدت الاحداث في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فبدا كأن الرئيس الاميركي اختار الساحة الفلسطينية الموقع الثاني لمعركته ضد الارهاب.
لم يحدث ان رئيسا اميركيا كان بمثل هذه الصراحة في دعم اسرائيل. ولم يحدث ان& اندمجت معركة الوجود التي تخوضها اسرائيل، واسرائيل دائما تخوض معارك وجود، بمعركة الوجود التي يعتبر الرئيس الاميركي انه يخوضها باسم شعبه.
وقبل ذلك لم يحدث ان يحصل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون على مثل الاحترام والتبجيل اللذين حظي بهما من ادارة جورج بوش الحالية.
ومن الامور اللافتة للنظر ان يكون& شارون عرضة للمحاكمة في بلجيكا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فيما بات الزائر المفضل لدى الرئيس الاميركي. الرئيس الذي اقترع له العرب الاميركيون بكثافة، وصلّى العرب "غير الاميركيين" لكي يتفوق على خصمه "آل غور" وخصوصا على نائبه اليهودي ليبرمان.
مهما قيل في الاسباب التي تجعل الولايات المتحدة تفضل المعركة العالمية ضد الارهاب، على كل الانقسامات العالمية التي كانت الولايات المتحدة طرفا فيها حتى الحادي عشر من ايلول الماضي، فالثابت يبقى ان جورج بوش بات يعتبرها انجازه الشخصي بما يتجاوز انجاز ابيه في "عاصفة الصحراء".
حرب الخليج الثانية كانت معركة وحيدة اشارت الى انبلاج فجر عالم جديد، اما الحرب التي يخوضها بوش فتشير الى سلسلة حروب تجعل النفوذ الاميركي ملموسا اينما كان.
وفي مطلع معركة بوش ضد الارهاب، كان التوقع الشائع والمنطقي ان تؤدي متطلبات المعركة ضد افغانستان الى تنازلات للعالمين العربي والاسلامي، في القضية الفلسطينية خصوصا. اما اليوم فاننا نشاهد العكس. فهذه القضية مرشحة لان تتحول ساحة لانتصارات جورج بوش، التي يبدو انها ستكون متواصلة، ضد الارهاب.
كيف اقنع آرييل شارون جورج بوش بأن معركتهما واحدة ضد عدو واحد، وفي مواجهة مصير واحد؟ وشارون ليس معروفا بقدراته على الاقناع ولا بجاذبية وجهات نظره؟
لذلك، ربما ينبغي عكس السؤال ليصير، كيف وجد بوش في شارون حليفا في معركة، هي معركته اولا؟
عندما وصل الرئىس الاميركي الى البيت الابيض تكثفت التحليلات التي تتناول الخطوط العريضة لسياسته الخارجية كما تضمنتها وثائق فريقه الانتخابي والمؤسسات المتعاونة معه. وجميعها وجدت انه يحمل رسالة تصلب في وجه الظروف الدولية الجديدة. الامر لم يكن بضخامة التغيير الذي اشار اليه وصول رونالد ريغان الى الرئاسة الاميركية في مطلع الثمانينات، وفي مواجهة المد السوفياتي آنذاك، لكن تغيّر النَفَس كان واضحا بين ادارة اميركية ديموقراطية مغادرة واخرى جمهورية واصلة.
آنذاك لم يتصور احد ان التغيير في السياسة الخارجية الاميركية سيكون في المدى الذي نشاهده اليوم. وكثيرون، بل الغالبية، يعزون اليوم التصلب الاستثنائي في المواقف الاميركية الى التحدي الاستثنائي الذي شكله ظهور بن لادن و"قاعدته". وكأن الرئيس الاميركي ولد يوم 11 ايلول .2001
تحليلات صحافية اميركية كثيرة تحاول ان تركز على تأثير الحدث في صوغ شخصية الرئيس، لكن تحليلات اقل تعود الى ما كان يقوله الرئيس الاميركي وفريقه قبل 11 ايلول بأشهر طويلة.
ربما العلاقة الخاصة التي نشأت بين بوش وشارون قبل انتخاب الاول، وبعد وصوله الى البيت الابيض، وفي الاشهر الاولى لولايته تشير اكثر الى مزاج الرئيس الجديد. فمن تفاهم جيدا مع شارون في البداية، ومن يوكل اليه اليوم امر التعاطي مع الملف الفلسطيني شخص واحد تكمن مشكلته ربما بعيدا عن "صدفة" بن لادن. التي قد تكون "صدفة سعيدة" بالنسبة الى الرئىس الاميركي.(النهار اللبنانية)