باريس-أحمد نجيم: كثيرا ما كتب الشعراء والكتاب العرب المهاجرون منهم وغير المهاجرين قصائد وقصص عن شتاء باريس الطويل وبرودة الطقس. صور شعرية& لتصوير وحدة الذات العربية المبدعة ووحشية المكان-المدينة الممثلة للحضارة الغربية. غير أن باريس بداية هذا القرن صالحت هذه الذات العربية المبدعة. صالحتها أيام الشتاء والبرد وبعثت الدفء. كان الدفء إبداعا عربيا من خلال ندوة اختارت التفكير في العالم العربي من خلال آدابه. من خلال تنوعه الثقافي والإثني وانفتاحه على محيطه وتأثره به سلبا أو إيجابا.
ملصق معرض الكتاب للشباب
أوديل شانيل (توليدو 2000) تصوير صموئيل شمعون
وقد شارك إلى جانب الأدباء والمثقفين صحافيون من شمال الضفة المتوسطية وجنوبها-من المغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن وبلغاريا وكرواتيا وإسبانيا وهولندا والسويد، شاركوا في تغطية الحدث وتبادل الأفكار والآراء ولك بمبادرة من المؤسسة الثقافية الأوربية بإشراف السيدة أوديل شانيل ومشاركة مجلة "ريمفوك".....
ندوة أخذت أبعاد سياسية عكستها الكلمات التي افتتحت بها الندوة والتي استحضرت الظرفية العالمية من خلال أحداث 11أيلول (سبتمبر) الماضي. المحلل النفسي التونسي فتحي بن سلامة أكد على الدلالات الثقافية والسياسية لمثل هذه الندوة، واعتبرها فرصة أولية لعالم عربي فيه الكثير من اللبس لفهمه وفهم عقليته. الباحث التونسي قدم ما اعتبرها معيقات الإبداع العربي ولخصها في اتساع الفوارق الاجتماعية ومصادرة الحريات وجهل الحكام العرب، كما أشار إلى "سياسة تدمير رجالات النهضة والفكر الحداثي" من خلال تمويل الجماعات الإسلامية من قبل انظمة خليجية.
أهم إشكال في العالم العربي هو إشكال عربي، وهو ما حاول اللساني التونسي طيب بكوش مقاربته. اعتمد بكوش منهجا وصفيا لتطور اللغة العربية، تطور تاريخي وبنيوي وسوسيولغوي جعل من اللغة العربية لغة "نصف حية" وساهم في الحفاظ عليها. وخلص بكوش إلى أن الإعلام ساهم ويساهم في محاولة الاتجاه نحو تقارب بين اللهجات العربية واللغة العربية الفصحى.
مستعمل هذه اللغة راكم إنتاجا عربيا إبداعيا. الروائي والناقد المغربي محمد برادة ركز على هذا التراكم الإبداعي، موضحا أنه-وخلال بداية القرن العشرين-تخلص من قيم ماضوية وتبنى قيم تراوحت بين الليبرالية والماركسية...وكانت أجناس مثل الرواية والشعر الحديث والمسرح تجسيد لهذه التحولات المعبرة عن المتخيل المجتمعي. واعتبر محمد برادة هزيمة العرب عام 1967 حدثا جعل الإنتاج العربي المعاصر يتحرر من هيمنة الإيديولوجيات والخطاب السياسي، وغدا الأنا الوجودي سمة الإبداع، كما أن هذه القطيعة قلصت الفوارق بين المركز-مصر-سوريا-العراق-...والهوامش -المغرب العربي-الخليج..
وأكد برادة على استثمار المعجم الروحي من قبل هذا الإبداع المعاصر. وفي الأخير قدم تيمات اعتبرها مميزة للإنتاج الروائي العربي كفضاء المدينة والتركيز على الذات في الكتابة والاحتفال بزمن الرصاص والقمع من خلال بحث وجودي، بالإضافة إلى الاشتغال على اللغة من خلال التجريب ، أما ديوان العرب قديما فيعرف تحولات بدوره، ويؤكد الباحث بطرس حلاق أن هناك توظيف تراثي في القصيدة الحديثة، حيث غدا الشاعر رسول ونبي زمانه. الروائي اللبناني إلياس خوري يرى أن من سمات الأدب العربي المعاصر وخاصة الرواية كجنس حداثي هو ارتباطها بالمقاومة، مقاومة تختلف أشكالها. مقاومة لن تكون بالصورة التي عليها في العالم العربي لو كانت حرية التعبير والفكر مضمونة. وأهم عائق أمام حرية الإبداع هذه هو الدين، لدا يدعو الكاتب الجزائري جمال الدين بن الشيخ إلى ندوة يشارك فيها المجتمع عن الدين، وقد قدم صورة قاتمة عن وضع حرية التعبير في العالم العربي حيث يضطر مبدعوه للعيش في المنفى وتراقب صحفه ومنشوراته....ويذهب يوسف الصديف إلى قراءة جديدة لهذا الدين من خلال القرآن وهو ما يسميه "درجة الصفر في القراءة".
ويعتبر إيف غونزاليس كيخانو مترجم الأدب العربي إلى اللغة الفرنسية من جهته، أن هناك إشارات على تحول وانفتاح في المجتمع العربي غير أنها إشارات محتشمة.
من أهم التحولات التي يعرفها الإنتاج العربي المعاصر هو انفتاحها على ثقافات ولغات أخرى من خلال الترجمة، فاروق مردم بك قدم جردا بأهم الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى اللغة الفرنسية، أعمال اعتبرها تقدم للقارئ الفرنسي صورة عامة عن الأدب العربي، وأشار أنه تم نشر أربعة عشر جنسا أدبيا. رقم كان يمكن أن يكون أكثر لولا مشاكل العمل في مشاريع شراكة عربية فرنسية في ميدان الترجمة وارتفاع تكاليفها. وبدا ماردم باي متفائلا بخصوص المستقبل ملحا على دور الإعلام الفرنسي في دعم الكتاب الإبداعي العربي.
لم تقتصر أعمال الترجمة على الأدب العربي المعاصر بل تعدته إلى ترجمة بعض الكتب-المراجع كأعمال الجاحظ وألف ليلة وليلة وترجمة جديدة للقرآن. وتقول الإحصائيات أنه وإلى نهاية 2000 ترجم للغة الفرنسية 106 كاتب من أحد عشر دولة عربية، موزعة بين الرواية والقصة-77عمل-والشعر-30 ديوان-وثلاث مسرحيات وكتابات نقدية وفكرية....مبيعات هذه الكتب-حسب فاروق مردم بك-غير كبيرة وهناك من تجاوز سقف عشرة آلاف نسخة.
التفكير في العالم العربي لا يمر دون التفكير في ساكنته ونموه الديموغرافي الباحث الفرنسي فيليب فارغ أوضح أن العالم العربي عرف خلال السنوات الأخيرة تغيرات ديموغرافية مدهشة. وتراجعت نسبة الخصوبة وتقلص عدد أفراد العائلة. تحولات عميقة تأثرت بالبترول واللا أمن السياسي وأثرت في النظام الاجتماعي العربي وخاصة النظام الأبوي المبني على أفضلية الجنس. الباحث الفرنسي أوضح في الأخير أن هذه التحولات تبرز أن نسبة الخصوبة بين دول الضفة المتوسطية الجنوبية متقاربة مع دول الضفة الشمالية.
النمو الديموغرافي صورة من الصور التي يحملها الغرب عن العرب، صورة فندتها الأرقام. الصحفي الفرنسي ألان غريش تحدث كذلك عن تضخيم بعض المشاكل في العالم العربي كصورة من صور سوء الفهم الأوربي، وأوضح أن مشاكل المرأة في الدول العربية لا تختلف عن مشاكل الدول الغربية. صورة لا يمكن أن تفهم-يؤكد غريش-من خلال رؤية دينية من الغرب وحتى مشاكل العالم الغربي لا يمكن أن تختصر في القرآن والشريعة. هذا الغرب الذي لم يتخلص من نظرته الاستعمارية القديمة.
العالم العربي عالم صورة كذلك كما يؤكد محيي الدين اللباد. وقد قام الفنان المصري بسرد تاريخي مركزا على الوقت المعاصر.
لا يمكن التفكير في العالم العربي تفكيرا شموليا دون الحديث عن نسائه المبدعات، قاعة الندوات ببلدية (مونتروي) بباريس اتسعت لتشمل صيحات ثلاث نساء عربيات مبدعات وهن الروائية اللبنانية هدى بركات والصحفية والكاتبة الجزائرية غانية حمادو والسينمائية التونسية مفيدة التلاتلي. ثلاث صيحات تتشابه وإن اختلفت مذهبيا وجغرافيا. حكين عن تجربتهن الشخصية مع الإبداع في العالم العربي.
تدخل باحثون آخرون ليتحدثوا عن الجسد والرجل والدين والسياسة.&&
&