كتب سامي كليب : يصل رئيس الحكومة رفيق الحريري إلى باريس اليوم ليواجه عقبة جديدة أمام توقيع اتفاق الشراكة اللبنانية الأوروبية، وضعتها بريطانيا، وترمي إلى إضافة بند إلى الاتفاق يتعلق بمكافحة الإرهاب.
وكانت الإشارة الأولى على هذه العقبة صدرت صباح أمس من بيروت، عندما أعلن مندوب الاتحاد الأوروبي في لبنان باتريك رينو <<أن المفوضية الأوروبية ستبلغ لبنان أنه قبل توقيع الاتفاقية، تبقى مناقشة إدراج بند حول الإرهاب، مماثل للبند الذي طُلب من الجزائر ومصر>>، موضحا <<ان بريطانيا هي التي طلبت إدراج هذا البند>>.
وأضاف المسؤول الأوروبي انه <<ما تزال هناك نقطة خلاف تجارية تتعلق بالتعرفة الجمركية على الأزهار>>.
وفي ظل هذه التطورات الجديدة، سعت الخارجية الفرنسية أمس للتخفيف من الجدل الذي أثارته أنباء تفيد بأن محاربة <<حزب الله>> باتت شرطا إضافيا مدرجا على اتفاقية الشراكة، وأكدت أن مسألة دعم التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، لحظتها مقررات المجلس الأوروبي في 21 أيلول الماضي، وأن توقيع الاتفاقية سيشكل مؤشرا على الثقة والأمل بلبنان.
وبدا منذ صباح أمس أن باريس فوجئت بالمعلومات التي أفادت بأن المفوضية الأوروبية أضافت مسألة <<حزب الله>> على الاتفاقية. فبعد أن اكتفى الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو بالقول صباحا إن القضية هي محور مفاوضات، جرت اتصالات فرنسية أوروبية للاطلاع على حقيقة ما حصل، وأصدرت الخارجية مساء بيانا قالت فيه الآتي: <<ان فرنسا تأمل الانتهاء من المفاوضات، وتوقيع اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان في أقرب فرصة ممكنة، وهي عملت على نحو حثيث في هذا الإطار في خلال الشهرين الماضيين>>.
وأضاف بيان الخارجية <<ان المسألة التي يأخذها الاتفاق بعين الاعتبار، أي التعاون في مجال مكافحة الإرهاب طبقا لمقررات المجلس الأوروبي في 21 أيلول الماضي، ينبغي أن تحل سريعا لكي تسمح بتوقيع الاتفاق في أقرب فرصة، حيث أن تطبيقه سيشكل مؤشر ثقة وأمل بالنسبة للبنان>>.
يشار إلى أن المجلس الأوروبي كان أعرب عن أمله في تعزيز التعاون في إطار مكافحة الإرهاب عبر الاتفاقات التي تربط الاتحاد بالدول الأخرى، ومنها على سبيل المثال البنود التي لحظها مثلا اتفاق الشراكة بين الاتحاد ومصر.
ولكن السؤال الإجرائي اللافت في هذا السياق يتعلق بالدول التي وقعت أصلا اتفاق الشراكة هذا (مثلا مصر وتونس والمغرب والأردن...) فهل أن البند المتعلق بمكافحة الإرهاب سيكون له مفعول رجعي؟
الأوساط الفرنسية المطلعة تفيد بأن الأمر يمكن أن يحل بتبادل رسائل تعتبر بمثابة ملاحق يوافق عليها الطرفان.
وماذا بالنسبة للبنان؟
المعروف أن آخر العقبات التي تعلقت بتوقيع اتفاق الشراكة بين الجانبين كانت تدور حول الزراعة والمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية الزراعية، وبعد أن تم حل هذه القضية، أضيفت عقبة أخرى تتعلق بالزهور. فالمفوضية الأوروبية كانت طلبت من لبنان تخفيض الضرائب المفروضة على الزهور المستوردة، وعمد لبنان (وفق أوساط أوروبية ذات علاقة بالملف) إلى رفع الضرائب بنسبة 120 في المئة قبل أيام من الاتفاق لكي يعمد إلى تخفيضها لاحقا، وتبدو وكأنه خفضها فعلا 50 في المئة (أي كما يطالب الاتحاد) بينما يكون السعر في الواقع هو نفسه. واكتشفت المفوضية هذا <<التلاعب>> وانزعجت لكن تم حل الأمر لاحقا.
وكانت الأوساط الفرنسية تشير قبل أيام إلى أن الاتفاق بات فعلا جاهزا. وسرت معلومات تفيد بأن الرئيس رفيق الحريري سيقول شيئا ما بعد لقائه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، كمثل أن يشكره على الجهود التي بذلتها فرنسا في هذا الإطار.
لكن وفي خلال المفاوضات التي جرت في الأيام الماضية بغية الانتهاء من الاتفاق ووضع اللمسات الأخيرة عليه، عادت بريطانيا لتطرح مسألة الإرهاب وتشير بالإسم الى <<حزب الله>> في ما يتعلق بلبنان. وثمة من فسر موقفها هذا بأن لندن التي كانت أشارت في السابق الى ضرورة التمييز بين ما هو سياسي وعسكري في عمل <<حزب الله>> و<<حماس>>، والتي سعت الى تسويق بضعة أفكار بشأن الشرق الأوسط وجاء رئيس وزرائها طوني بلير إلى المنطقة بعد الاعتداءات على الولايات المتحدة، تلقت بعض اللوم الأميركي، وربما أرادت أن تعيد التأكيد على أنها <<التلميذ النجيب>> لواشنطن في سياق مكافحة الإرهاب وسياسة الشرق الأوسط، ولذلك رفعت من لهجتها حيال مكافحة الإرهاب و<<حزب الله>>.
لكن الأوساط الفرنسية تبدو مقتنعة بأن الأمر لن يطرح مشكلة حقيقية مع لبنان، ذلك أن بيروت كانت وافقت على القرار 1373 الذي صدر بعد الاعتداءات على الولايات المتحدة الأميركية والذي يلحظ مكافحة الإرهاب، وبالتالي فإن الصيغة التي يجري الإعداد لها حاليا لتعريف الإرهاب سوف تستند أصلا إلى القرار، وهو ما قد يقبله لبنان (إلا إذا أصرت بيروت مثلا على الفصل بين الإرهاب والمقاومة، وهي قادرة على ذلك لو أرادت، بينما باريس باتت ومنذ فترة تستخدم عبارة الإرهاب الدولي ما يشير إلى رغبتها في التمييز بين المقاومات المحلية والإرهاب الذي يتخطى حدود دول كلبنان).
وتسعى باريس للابتعاد عن هذا الفخ الجديد عبر القول بأن <<المفوضية الأوروبية>> هي التي تناقش الاتفاق وليس فرنسا، وتحرص في الوقت نفسه على القول بأن الدبلوماسية الفرنسية كانت ولا تزال إلى جانب لبنان في استعادة عافيته والعودة قويا إلى الأسرة الدولية. وتعتبر أن توقيع الاتفاق سيكون ذا فائدة كبيرة للبنان، كما أن فرنسا ساهمت في التخفيف من الالتزامات الفورية التي يلحظها اتفاق الشراكة بحيث سيكون لبنان قادرا على التمتع بهامش ضرائب لمدة 6 سنوات على الأقل.
ولكن السؤال يبقى مطروحاً الآن وربما أكثر من أي وقت مضى، عما إذا كانت المعركة بدأت فعلاً ضد لبنان لكي يضع حداً لنشاطات <<حزب الله>>، تماما كما أن معركة معلنة أخرى تطال سوريا للحد من نشاطات الجهاد وحماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى التي تصرح من على الأراضي السورية.
فقبل يومين قدم النائب عن حزب التجمع من أجل الجمهورية (الذي أسسه جاك شيراك) بيار لولوش طلبا رسميا لوزيري الداخلية والعدل لمنع كل مصادر التمويل عن <<حزب الله>> و<<حماس>> في فرنسا.
لكن الأوساط الفرنسية تؤكد أن لا تمويل أصلاً للحزب يمر عبر فرنسا، وإنما هناك بعض الحركات الأخرى التي ربما يمر بعض تمويلها من باريس كمثل حزب العمال الكردستاني أو غيره.
وحين يطرح السؤال على الأوساط الفرنسية عما إذا كان حدد تاريخ رسمي لتوقيع اتفاق الشراكة، تلمح إلى الآن الأمر سيحسم في خلال أسبوعين.
وفي بروكسل، صرح سفير لبنان لدى الاتحاد الأوروبي فوزي فواز أمس، بأن هناك مشروع نص جديد يجري التفاوض بشأنه مع الاتحاد، ويحق للبنان أن يرفض أو يقبل به. لكنه أمل التوصل إلى حل، والتوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى قبل نهاية السنة.(السفير اللبنانية)
&