كم هي قاتمة صورة هذه الأيام. فالعرب يبدون بلا حول ولا قوة اكثر من أي يوم. وإذا صحت السيناريوات المقبلة فان الأمر سيصبح اكثر سوءاً.
ومجرد حساب بسيط، وبعقل بارد بعيد من الانفعال، يفضي الي استنتاجات هي لمصلحة وجهة النظر التي اعتبرت، عند بدء الحرب الاميركية علي الارهاب، انها ستتحول حرباً ضد المسلمين والعرب. ففي العام 1990 أدت تداعيات خطأ الاجتياح العراقي للكويت الي عاصفة الصحراء، التي اسقطت فيها جيوش الولايات المتحدة العراق من معادلة الصراع العربي ــ الاسرائيلي، وكان لهذا التطور أثر رئيسي في اضعاف المفاوض العربي عند انطلاق مؤتمر مدريد لعملية السلام. وهذا الاضعاف أدي الي استفراد الفلسطينيين وقبولهم بمفاوضات أوسلو العام 1992، التي قادت الي ذلك الاتفاق الذي تطلّب كل بند فيه، كما قال الرئيس الراحل حافظ الأسد، اتفاقاً جديداً. ولم يخفِ المفاوضون الاميركيون في عملية السلام أمام المسؤولين العرب تلك القناعة التي قادوا المفاوضات استناداً اليها، وهي ان علي الدول العربية والقيادة الفلسطينية ان تقر بخفض السقف، قياساً الي خروج العراق من الصراع. وبعبارة اخري أدي ضرب العراق الي تجويف جزء من الوقائع التي صنعتها الانتفاضة الفلسطينية الأولي أواخر الثمانينات، علي صعيد الرأي العام الدولي والرأي العام داخل اسرائيل نفسها، حيث نشأت حركة السلام الضاغطة من أجل القبول بنشوء دولة فلسطينية مستقلة.
هل يمكن ايجاد أوجه شبه بين ما جري في 90 ــ 92، وبين ما يجري الآن، في شأن تلك العلاقة غير المباشرة، أو السببية، بين ضرب العراق وإضعاف الموقف الفلسطيني؟
ما تقوم به الولايات المتحدة يدل الي انها تهيئ لصياغة جديدة لموازين العلاقة بينها وبين العرب، وبين هؤلاء واسرائيل. فالحملة الاميركية علي مصر والسعودية التي تصاعدت بعيد 11 أيلول (سبتمبر) ثم خفتت حفاظاً علي التعاون العربي مع واشنطن ضد الارهاب، مستمرة وإن بوتيرة أقل. والمشاورات بين واشنطن والدول المعنية حول خيار ضرب العراق متواصلة. وما أدي الي استفراد سياسي للفلسطينيين في التسعينات، بات استفراداً عسكرياً لهؤلاء، عبر تهمة الارهاب لـ حماس و الجهاد الاسلامي ، و القوة 17 وتنظيم فتح، (وحزب الله في لبنان) مع اصرار علي تحويل هؤلاء الي بن لادنيين ، في وقت لا مجال للمقارنة بين تلك التنظيمات التي تمارس العنف المضاد للعنف الاسرائيلي، علي أرضها، وبين تنظيم القاعدة الذي يمارس العنف علي أرض الغير... لكن النتيجة (والهدف) خلق المبررات لتجريد العرب من أدني اسباب القوة التفاوضية حول قيام الدولة الفلسطينية.
وقد يكون السيناريو في 2001 ــ 2002 مقلوباً. فما قد يكون مطلوباً هو وقف الانتفاضة، ليس من اجل البدء في عملية سياسية تفاوضية علي الدولة الفلسطينية، بل من اجل وقف عملية اشغال اسرائيل في مواجهة هذه الانتفاضة، تمهيداً للاستعانة بها في أي ضربة محتملة علي العراق.
ألم يبحث وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر، الأسبوع الماضي، مع الجنرال الأميركي انطوني زيني (الآتي من أجل وقف النار الفلسطيني ــ الاسرائيلي)، وكذلك كبار جنرالات الجيش الاسرائيلي، في وجوب التنسيق بين واشنطن وتل أبيب حول أي ضربة مرتقبة للعراق، كما ذكرت الصحف الاسرائيلية؟
بالأمس ذكرت صحيفة معاريف الاسرائيلية ان اجتماعات عسكرية أميركية ــ اسرائيلية عقدت بعلم أعلي السلطات في البلدين لتنسيق الموقف في أي حرب علي العراق، مطلع العام المقبل ...(الحياة اللندنية)