إيلاف- نبيل شرف الدين: "ليغرب عن وجهي كل من هو غير مسلم" قالها بانجليزية سليمة المواطن السعودي الجنسية، عبد الرحمن البالغ من العمر 36 عاماً، لمراسلي الصحف الأميركية والأوربية في مدينة "كويتا" الباكستانية المتآخمة للحدود الأفغانية، وبدا عبد الرحمن بالفعل مستعداً للقفز من الفراش رغم الجبيرة التي تغطي ساقه اليمنى كاملة، وتخفي جرحا تسببت فيه رصاصة أصيب بها أثناء قتاله في صفوف طالبان، وصرخ في وجه الصحفيين الأميركيين قائلا: "لو كانت معي بندقية الآن لكنت قتلتكم، أغربوا عن وجهي".
ويذكر أن عبد الرحمن كان من بين ستة مقاتلين مصابين، ثلاثة من السعودية وواحد من نيجيريا واثنين لم تحدد جنسيتهما، وصلوا جميعا إلى مستشفى بمدينة كويتا الباكستانية مساء يوم الأربعاء الماضي ، بعد أن اشتبكوا في قتال مع القوات الأفغانيةالتي تدعمها الولايات المتحدة بالقرب من قندهار
وأفادت مصادر للشرطة الباكستانية بأن تلك المجموعة قد حاولت التسلل إلى باكستان من خلال عبور الحدود الجبلية ، ولكنهم قاموا بالاتصال بالإسعاف نظرا لإصابتهم. وتم نقلهم إلى مستشفى كويتا العام حيث تم علاجهم ووضعهم تحت حراسة الشرطة.
وتعكس زيارة هؤلاء الرجال الغضب الذي يشعر به المقاتلون الأجانب الذين ساعدوا طالبان منذ أن تولت السلطة في أفغانستان والذين عاونوا بن لادن وتنظيم القاعدة ، والمعروفين باسم "الأفغان العرب"، وقد بدأ هؤلاء المقاتلين الأجانب في الظهور في باكستان وبعض الدول الأخرى، بعد أن كثفت الولايات المتحدة من حملتها لاصطياد بن لادن والإرهابيين المشتبه فيهم، وذكرت باكستان أنها قد أغلقت حدودها في وجه مقاتلي طالبان الفارين، لكنهم يتسللون عبر الشريط الحدودي برفقة المقاتلين الأجانب المشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة.
وقد أنكر عبد الرحمن أنه عضو في القاعدة وطالبان ، وعلى الرغم من أنه يجيد اللغة الإنجليزية باللهجة الأميركية العامية ، إلا أنه رفض ذكر ما إذا كان قد عاش في الولايات المتحدة ، كما رفض الإجابة عند سؤاله عن سبب وجوده في أفغانستان وكم لبث هناك .
وقال عبد الرحمن "أنا مجاهد حر ، أنا مدافع عن الإسلام ، الحرب المقدسة بالنسبة لي كالسرطان، فلا يمكن الشفاء منها" .
وأفاد محمد عمران الطبيب المعالج لعبد الرحمن بأنه من الواضح أن عبد الرحمن ورفاقه قد أصيبوا خلال القتال الذي دار مساء الاثنين في مطار قندهار ، فقد أكد جلال خان، أحد قادة قوات القبائل كانت تقاتل طالبان للاستيلاء على قندهار، أن قواته قد اشتبكت مع مقاتلين أكثرهم عرب في المطار تلك الليلة.
وقال في مكالمة تليفونية بالأقمار الصناعية من أرض المعركة "نحن نعلم أننا أصبنا مقاتلين عرب تلك الليلة ، لقد كان رجالنا قريبين منهم ورأينا وجوههم"
إنني أكرهكم
وكان يرقد في الغرفة التي بها عبد الرحمن بالمستشفى خمسة رجال وصبي صغير ، فكان يرقد أربعة رجال على جانب من الغرفة بما فيهم الرجل النيجيري والجبائر تكسو سيقانهم والبطاطين تغطي وجوههم. وفي الجانب الأخر من الغرفة كان يرقد عبد الرحمن وولد أفغاني مصاب.
وتم قيد عبد الرحمن في سجلات المستشفي على أن يبلغ من العمر 36 عاما لكنه يبدو أصغر سنا ، لقد كان الشخص الوحيد في الغرفة الذي كشف وجهه. وكانت لغته الإنجليزية تحمل لكنة أهالي نيويورك ، وهو يصرخ في وجوه الصحفيين قائلا "أنا لا أصدقكم ولا أثق بكم ، أنا أكرهكم ، أغربوا عن وجهي الآن أيها الأميركيين ، لقد قتلتمونا والآن تريدون التقاط صور لنا".
وعند سؤاله عن سبب كرهه للأميركيين أجاب قائلا "بسبب هذه الساق اليمني. وبسبب آلاف الأطفال الذين قتلتهم صواريخكم الذكية ، إنكم تظنون أنكم قادرون على التحكم في كل شئ لكن الله فوقكم ، أنا أكرهكم وأعلم جيدا أنكم تكرهونني لأن لديكم سلوكا مختلفا وطرقا مختلفة. إن حربكم ضد الإسلام وليس الإرهاب" .
ويذكر أن وجود الآلاف من المقاتلين الأجانب في أفغانستان قد عقد خطط الأمم المتحدة والتحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة لتشكيل حكومة انتقالية لأفغانستان تبدأ في تولي الحكم منذ 22 ديسمبر/كانون أول.
وأفاد عبد الخالق أحد زعماء الباشتون بأن هناك ما بين 1000 إلى 2000 مقاتل أجنبي في قندهار. كما ذكر سامي ظريف المحقق بجمعية مراقبة حقوق الإنسان أن تقارير غير مؤكدة قد أشارت إلى أن هناك أكثر من 2000 فرد من عائلات المقاتلين الأجانب يعيشون في قندهار ومعظمهم يقيم في مقاطعة تحمل اسم كابولي بازار.
ومن المعتقد أن هناك المزيد من المقاتلين الأجانب المعروفين بـ "الأفغان العرب" ، في منطقة الكهوف الواقعة شرق أفغانستان في منطقة ننجهار بالقرب من مدينة جلال آباد ، كما يعتقد أن هناك من 500 إلى 600 مقاتل أجنبي في منطقة حلماند غرب أفغانستان. ومازال المقاتلون الأجانب وعائلاتهم يعيشون ويعملون في منطقتي بكتيا ولوجار.
وأفاد سامي ظريف أن التحريات عن المقاتلين الأجانب وعائلاتهم في منطقتي بكتيا ولوجار قد كشفت عن وجود مجموعتين. المجموعة الأولى هي مجموعة الشيشان. أما المجموعة الثانية فيطلق عليها الأفغان المحليون العرب.
الأفغان الشيشان
أما جماعات الشيشان المقاتلين ، فتتكون من حوالي 140 عائلة لا تضم الكثير من المقاتلين ، وقد بدأت هذه الجماعة في مدينة مزار الشريف ثم فروا إلى كابول بعد استيلاء التحالف الشمالي عليها الشهر الماضي ، وبعد سقوط كابول في نفس الشهر انتقل الشيشان إلى إقليم بكتيا بالقرب من الحدود مع باكستان .
وفي تلك الأثناء انسحبت طالبان من بكتيا وفرض مجلس من قبائل الباشتون سيطرته على المنطقة. وفي منتصف شهر نوفمبر/تشرين ثاني أعطى المجلس الأمان للشيشان بعد أن سمح لهم بالإقامة في المنازل المهجورة بالقرى التي تقع في المنطقة. غير أن الطائرات الحربية الأميركية استمرت في غاراتها للقضاء على المقاتلين الأجانب في إقليم بكتيا ، وأفادت وزارة الدفاع الأميريكية في 17 نوفمبر/تشرين ثاني بأن الطائرات الحربية قد قصفت بطريق الخطأ مسجد جلال الدين في خوست. وقال محمد عثمان أحد مسئولي القبائل أن الطائرات الأميركية استهدفت حيا يتردد عليه المقاتلون الأجانب وعائلاتهم.
وذكر سامي ظريف لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية : أن الجماعة التي يفترض أنها جماعة العرب التي تتكون من 30 عائلة كانت تعيش في سيارات كانت تنقلها بين إقليمي بكتيا ولوجار. كما أشار إلى أن هذه الجماعة قد فرت من كابول بعد أن استولى عليها التحالف الشمالي ، وأقاموا في خوست لكنهم تركوها بعد أن تولى المجلس القبلي السلطة في الإقليم.
وقال ظريف "إنهم يعيشون في سيارتهم الآن. إنهم يشعرون بالخوف لذلك لم يستطع أحد الاقتراب منهم. ولا يقضون الليلة في مكان واحد ويشعرون بالقلق من القصف والغذاء والبرد."
وأشار ظريف إلى أنهم يقودون سيارتهم بعيدا عن الحدود الباكستانية خشية أن يتم القبض عليهم. وأفادت الشرطة الباكستانية من جانبها بأنه سيتم القبض على المجموعة الموجودة في المستشفى فور تماثلهم للشفاء.
وقال مشرف الشرطة أول خان أن المقاتلين رفضوا الإدلاء بأسمائهم. ومضى قائلا "لقد أخبرناهم بأننا نريد بطاقات هويتهم لعلاجهم. وإذا لم تفصحوا عن هوايتكم فلن نوفر لكم أي علاج. لذلك أعطونا أسمائهم نظرا لأنهم يعانون من الإصابة."
وأفاد الطبيب المعالج محمد عمران بأن السعوديين الثلاثة هم عبد الرحمن، 36 عاما, وأسد الله، 30 عاما, ومهين، 22 عاما. كما ذكر أن اسم الرجل النيجيري هو أغرا وعمره 32 عاماً .
أحوال الجبهة
أما على الصعيد الميداني ، فقد بات مقاتلو "القاعدة" علي بعد 300 ياردة من موقع علي حافة صخرية تفصل بين ما تبقى من قوات تنظيم القاعدة ومهاجميهم الأفغان ، وعلي مسافة قصيرة إلي اليسار وفي أحد الوديان يلوح مجمع الكهوف حيث يسود الاعتقاد بأن بن لادن يختبئ هناك ، وشوهد بالفعل في المنطقة ، وقد قام محمد زمان قائد المقاتلين الأفغان بإجراء مسح للموقع من فوق الحافة الصخرية ، وروى قصة تلك الزيارة لصحيفة "واشنطن بوست" ، قال فيها إنه بينما كان يقف وسط الصخور والأشجار الذابلة سقطت قنبلة ألقت بها طائرة تعذر رؤيتها وأعقبها سقوط قنبلة ثانية أسفرتا عن انفجارات اهتزت لها الأرض ، وبعد لحظات هب مقاتلو القاعدة للرد علي تلك الهجمات، وعندئذ سارع زمان وقواته يرافقهم وفد من الزعماء السياسيين المحليين وعدد من الصحفيين بمغادرة المكان ، والاحتماء بموقع علي جانب أحد التلال .
وقد سمع دوي انفجار قذائف الهاون التي أطلقها مقاتلو القاعدة ، وفي الموقع الذي يتوقع القادة الأفغان أن تتبلور فيه المعركة للقضاء على تنظيم القاعدة وقادته بدأت المسافة تضيق بين القنابل الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة من ناحية والعدو المشترك من ناحية أخرى ، لكن المعركة مازال أمامها الكثير خاصة وأن القوات الأفغانية لا تبدو اليوم جاهزة لتحقيق النصر بسبب الصراعات التي دبت بين أكبر قائدين من قوادها، كما أن القوة التي يبلغ عدد أفرادها حوالي 1000 رجل تعاني من المتاعب الناجمة عن برودة الجو والجوع وسوء التجهيز.
وما زال هؤلاء الجنود يرتدون نفس الملابس التي كانوا يرتدونها قبل أربعة أيام عندما دفع بهم إلي هذه المنطقة للاشتراك فيما وصف آنذاك بالهجوم الحاسم ، ولا يوجد بهذه المنطقة مستشفى ميداني كما لا يوجد سوى القليل من الشاحنات والذخائر.
وبعد يوم واجه خلاله النيران المعادية والطرق الخطرة لتفقد الجبهة قال المهندس جعفر وهو أحد قادة المجاهدين الأفغان المشهورين ، والذي اختير لمنصب عمدة في مرحلة ما بعد طالبان" هل هذه حرب؟" ، وأضاف : " لا توجد إمدادات غذائية ولا مياه ولا معاول لحفر خنادق... إن هذه لا تبدو حربا بل نزهة خلوية".
خريطة الكهوف
وتقع الكهوف والملاجئ في ميلاوا في واد خلف معقل تورا بورا الجبلي المجاور في منطقة الجبال البيضاء علي بعد حوالي 60 ميلا جنوب شرق مدينة جلال أباد ، وهناك حوالي 1000 من مقاتلي القاعدة بينهم كثيرين من العرب وأجانب آخرون يتولون مهمة الدفاع عن المنطقة ضد السلطات الجديدة في شرق أفغانستان.
وكانت زيارة الخطوط الأمامية التي قام بها المهندس جعفر قد بدأت من جلال أباد صباح اليوم حيث انطلقت قافلة تضم أعضاء من المجلس الحاكم الجديد لشرق أفغانستان ، وقد قامت ما لايقل عن 14 من الطائرات الحربية الأمريكية بالتحليق في الأجواء خلال الرحلة التي استغرقت ساعتين عبر السهول المنبسطة التي تفصل المدينة عن الجبال البيضاء.
وفي المنطقة الجبلية أمضت المجموعة ساعة أخرى في الزحف علي امتداد الطريق المؤدي إلي ميلاوا عبر تورا بورا.
وباعتباره العمدة الجديد لمدينة جلال أباد ، أعرب جعفرعن اهتمامه بإعادة بناء المدينة التي يقطنها 400 ألف نسمة والتي تفتقر إلي مياه الشرب والطاقة الكهربائية الكافية بل وإلي مكتب للبريد.
وربما يكون جعفر الذي خلف ورائه مشروعا تجاريا مزدهرا في دولة الإمارات العربية وترك أسرته في باكستان الشخص الوحيد في جلال أباد الذي يمتلك جهازا للكمبيوتر.
هوس الحرب
لكن جعفر مازال إلي حد بعيد يتسم بصفات قائد من قادة حرب العصابات الأفغان ، فقد قاد خلال الثمانينات إحدى الفرق التي أسقطت خمس مروحيات سوفيتية في مطار جلال أباد ، باستخدام صواريخ ستينجر التي حصل عليها من وكالة المخابرات المركزية الأميركية ، وعندما وصل جعفر إلي خط الجبهة اليوم لإجراء محادثات مع زمان وهو أحد أصدقائه القدامى منذ أيام الحرب ضد السوفيت لم يكن يتخيل أن يجد هذا القائد العسكري في موقع مكشوف علي حافة صخرية وقال" لقد قلت له هذا جنون ولماذا أنت هنا؟".
وقد تحدث أحد المقاتلين في الموقع عن الخوف الذي تسرب إلي نفوس الجنود علي الخط الأمامي والذين أمضوا الليلة علي تلك الحافة الصخرية حيث أشار إلي تل مجاور إلي الشمال كان تحت سيطرة القوات الأفغانية إلي أن وقعت اشتباكات مع رجال بن لادن وقال " لقد قتل بعض أصدقائنا وعندما رأينا جثثهم انهارت معنوياتنا" ، وقال المقاتل الذي يدعى خان وزير أنه حتى مع القصف الجوي ليس مقتنعا بأنه يخوض معركة يمكن الفوز فيها، لكنه يوقن في الوقت نفسه أنه بدون الضربات الجوية الأميركية لن يمكن دحر القاعدة .
&
&