بغداد- نصير النهر: قال الوسيط الدائم بين القيادة العراقية والقيادات الكردية في شمال العراق، الدكتور مكرم الطالباني، انه لمس في زيارته قبل ايام لكردستان رفضا قاطعا من كل الأطراف التي التقاها هناك، ومن ضمنها القيادات الشيوعية، لأي هجوم أو اعتداء قد يتعرض له العراق مهما كان مصدره مع استبعاد حدوث ذلك في المرحلة الحالية على الأقل. واضاف في حديث لمراسل "الشرق الأوسط" في بغداد، أن القيادات الكردستانية، ترفض أن تكون كردستان العراق معبرا لاي عمل أو أية محاولة تغيير في الوضع القائم في بغداد وفي العراق، تأتي من الخارج لأن الشعب العراقي هو الذي يقرر مصيره ولا أحد سواه، وأن الديمقراطية الحقيقية والواسعة هي التي تعكس حقيقة ما يريده الشعب وليس التدخلات الاجنبية، كما انها (الديمقراطية) تعد الضمان الأكيد لاستقرار كردستان.
وأوضح الطالباني أن زيارته إلى كردستان، كانت زيارة اعتيادية وليس كمبعوث من احد او وفق برنامج معين، لانه يؤمن بان الحوار البناء والمباشر بين الحكومة والأطراف الكردية لا يتم من خلال إعلان الرغبة في ذلك فقط مع اتهامات من طرف للآخر، وانما من خلال وضع صيغ متقدمة تكون أساسا لحوار بناء وناجح، هدفه الوصول إلى نتائج مرضية، "وليس الحوار من اجل الحوار". وقال ان الذين يطرحون موضوع الحوار على أساس تنفيذ قانون الحكم الذاتي، انما يتشبثون بالرجوع أكثر من ربع قرن للوراء، اما من يريدون ترك الأمور كما هي على أمل أن يحين الوقت "للرجوع"، فان ذلك يعني تكريس الانفصال والسعي إليه لان كل يوم يمر على هذا الوضع، الذي يسمى بـ"الشاذ" يزيد الفرقة ويعمق الخلاف ويثبت ويعمق التجربة الكردية والوضع القائم حاليا في كردستان. وتابع أن الذين يرضون بهذا الوضع يفترض أن يدركوا بأن الفيدرالية افضل للطرفين والشعب العراقي كله.
واضاف الدكتور الطالباني متسائلا: "لماذا يتخوف البعض من الفيدرالية، بينما كان الاتحاد السوفياتي أقوى دولة فيدرالية في العالم، وكذلك كانت الفيدرالية اليوغوسلافية هي الأقوى بين دول عدم الانحياز، ناهيك من نجاح التجربة الفيدرالية في الكثير من دول العالم، وهل الفيدرالية افضل ام الوضع الحالي الذي يقود إلى الانفصال مع مرور الزمن؟ مع أن الانفصال حق من حقوق الشعوب وهو ما لا يريده الاكراد، وقد سبق أن انفصل العراق عن الدولة العثمانية بمساعدة أجنبية ولم يقل احد للعراقيين ـ العرب و الاكراد ـ انهم انفصاليون". وأكد أن الفيدرالية والديمقراطية "توأمان لا يمكن الفصل بينهما وهما الضمان الأكيد لوحدة العراق الوطنية"، وانه على غير هذا الأساس لا يمكنه (الطالباني) القيام بأي وساطة مستقبلية مع حفاظه على الاتصالات مع كل الأطراف المعنية.
وحول الاتهامات الموجهة للأطراف الكردية، بأنها مدعومة من الأجنبي، قال "ان الوضع في كردستان قائم الان كحالة واقعة وكونها خارج إطار الحكومة في بغداد، فهي تقيم علاقات مع دول اخرى من اجل البقاء كما تقيم بغداد علاقات مع من تشاء، بل أن الدول التي لها علاقات مع بغداد، لها علاقات ـ ربما أوسع ـ مع كردستان، ومما يزيد الامور تعقيدا استمرار الوضع بدون حلول، مما يربط اقليم كردستان بعلاقات دولية اكثر مع مرور الزمن".
وانتقد الدكتور الطالباني العبارات التي نقلت عن فؤاد عارف، احد الوسطاء القدماء بين الحكومات العراقية والاكراد الذي استقبله الرئيس صدام حسين اخيرا، بان كردستان تعيش حالة اضطراب وعدم انضباط وتخبط، مشيرا إلى أن هذه العبارات والمصطلحات ـ حسب إطلاعه ـ "ليست من المفردات التي يستخدمها عارف ولكنه إن لم يكن قد قال ذلك وأن تلك الأقوال نسبت اليه، فان عليه أن يبادر إلى تصحيحها والا فانه سيفقد مصداقيته كطرف محايد في أية وساطة قد تسند اليه".
وحول إمكانية إطلاق حوار بين المثقفين العرب والكرد في العراق، رحب الدكتور الطالباني بمثل هذه الفكرة "لأن الدستور العراقي نص على أن العراق دولة العرب والاكراد والأقليات القومية الأخرى في حين لا يعرف معظم المثقفين العرب في العراق تاريخ الكرد وحضارتهم وثقافتهم ويعرفون عن الثقافة الفرنسية والروسية والإنجليزية اكثر بكثير جدا مما يعرفونه عن كردستان وتاريخ كردستان واعتزاز أكراد العراق بارتباطهم بالعراق حيث كانت لهم حكومتهم في كردستان في سنة 1919، أي قبل تأسيس الدولة العراقية، وقد ألحقت كردستان بالعراق في سنة 1925 بقرار من عصبة الأمم، و باشتراط احترام حرية الاكراد وحقهم في التعبير عن إرادتهم، أي أن الإلحاق كان مشروطا.. ورضي الاكراد بذلك بحكم الروابط التاريخية والدينية والاجتماعية وعوامل كثيرة اخرى، وكل تلك الامور تدعو إلى اعادة النظر بجدية في الوضع القائم وتحديد الأطر الموضوعية للتباحث بشأن الفيدرالية ضمن عراق ديمقراطي موحد وأن أي تأخير في ذلك ستكون نتائجه سلبية حتما".
أخيرا، حّمل الدكتور الطالباني الطرفين (الحكومة والاكراد) مسؤولية تفاقم الوضع و إضاعتهما فرصة تاريخية في سنة 1991 للتوصل إلى حل عادل ومقنع "وذلك لان الطرفين تملكتهما الأنانية وخرقا مقدما مبادئ الحوار المتفق عليها في أهم شروطها وهو أن يكون الحوار ثلاثيا وليس ثنائيا، وأن يكون الطرف الثالث، الذي تجاهلاه عن عمد، الحزب الشيوعي العراقي، عملا بادعاء ربط القضية الكردية بموضوع الديمقراطية ولكون الحزب يضم القوميتين والأقليات الأخرى وينأى عن التعصبية اضافة إلى عدائه للتدخل الأجنبي وخاصة الغربي في شؤون العراق. (عن "الشرق الاوسط" اللندنية)