ساحة بوتسدامر
برلين-&مازن أمين: تبدو العاصمة برلين، هذه الايام، بأضوائها وبخطوط اشعة الليزر المتقاطعة وبأبنيتها التاريخية وعماراتها الحديثة المضاءة ساحرة جميلة، تزدان اشجارها بعشرات الالاف من المصابيح، مثل سحابة من النجوم تمر في الشوارع المشجرة، وتزين نفسها لاعياد الميلاد. وتعلن مراكزها الاساسية وحوانيتها الغنية عن بهجة تجتذب الناس للترفيه.
ولكن تحت هذه القشرة الملونة يسري نوع من الخوف وعدم الاطمئنان لدى الناس،
مراقص برلين الليلية
وذلك لازدياد وتيرة الجريمة، خاصة في المراكز الاساسية ومحطات القطارات المركزية التي تزدحم بالناس على نحو دائم.
ومع ازدياد الجرائم على نحو مضطرد، كما تشير الاحصائيات، وتكتب بعض الصحف،
في الفجر بعد الخروج من المراقص الليلية
ودعوة سكان العاصمة لاتخاذ الاجراءات المناسبة، قامت قوات من حدود والشرطة ومجموعات الحراسة التابعة لمؤسسة سكك الحديد بمهمة مشتركة، هي الاوسع من نوعها، في العاصمة برلين، التي يزيد عدد سكانها عن ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة. وتقوم هذه القوات بالانتشار في المحطة المركزية "تسولوجيشه كارتن" وميدانها "هاردنبرغ" بالاضافة الى ميدان "اليكساندر بلاتس" و"بوتسدامر بلاتس"، ذلك لاشاعة الامن ولجعل الناس يشعرون بالاطمئنان.

لا بيل المرقص الذي تعرض للتفجير في عام 1986 وقتل في اثنين من الاميركيين
ويعتبر ميدان "هاردنبرغ" المشرف على المحطة المركزية "تسو" ومحيطها من اكثر المناطق ازدحاما. وهو العصب الرئيسي لغرب برلين ومركز اساسي تكثر فيه المراكز التجارية الغنية والفنادق الفخمة والصيارفة والبنوك ودكاكين الجنس والمقاهي المتنوعة والمطاعم، بالاضافة الى حديقة الحيوانات الشهيرة بذات الاسم. ويستقطب الميدان ومحيطه الزوار والسياح خاصة خلال عطلة نهاية الاسبوع.
وتأتي هذه الحملة بعد أن ازداد النقد من قبل الاحزاب المعارضة والهيئات الاجتماعية ضد حكومة برلين التي جرى اتهامها بالتسيب الامني الذي يشجع الجريمة.
ماراثون برلين في ايلول الماضي
وفي هذا الخصوص نشرت تقارير عن الحالة الامنية تقول بأن عدد الجرائم التي سجلت في ميدان "هاردنبرغ" مثلا قد بلغ الألفين خلال الاشهر الاخيرة من العام 2001 فيما بلغت في العام 2000 ما يقرب الـ5317 جريمة سجلت في المراكز والمحطات الاساسية.
وتفصل التقارير للاشهر الاخيرة، بحدوث 202 جريمة في اطار المخدرات وسرقة و230 جريمة خرق قوانين الهجرة ومئات الجرائم في السطو وسرقة السيارات والاعتداءات الجسدية والوقوف امام السلطة. كما نشرت احصائيات عن مراكز عديدة اخرى في العاصمة اشارت الى تزايد الجريمة فيها.
ويؤثر هذا، بالطبع، على المواطنين الذين يطالبون الجهات الامنية باتخاذ الاجراءات الكفيلة باشاعة الامن وانهاء مخاوف الناس. وتتحرك الاحزاب المعارضة للائتلاف الحكومي في هذا الاطار لتوجه نقدها القاسي للسياسة الامنية للحكومة، كما تقوم بتعبئة الناس لزيادة مخاوفها، وتضع مسألة تحقيق الأمن على رأس برامجها الانتخابية.
ويطمح الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض موقفا حاسما من قوى الامن لاقتلاع الجريمة، وخاصة في مراكز محددة اصبحت، كما تقول، بؤرة للارهاب والمخدرات.
ويطالب الحزب بنصب كاميرات مراقبة في المناطق المذكورة ومراكز تعقيب المجرمين. الا ان التآلف الحكومية (من الخضر والحزب الاشتراكي) يعتبر هذا الاجراء خرقا للدستور وتضييقا للحريات العامة، وهو يذكر بكاميرات الرصد التي زرعتها حكومة المانيا الديمقراطية في ميدان اليكسندر بلاتس.
زهور التوليب تطوق برج محطة التلفزيون في اليكساندر بلاتس
تعتبر منطقة بوتسدامر اكبر منطقة بناء تجارية في اوروبا حاليا
وتعتبر برلين، حتى الان، العاصمة الاروروبية الكبير الوحيدة التي امتنعت عن القيام باجراءات المراقبة بالكاميرات. ولكن الخصوم يسوقون أمثلة كثيرة عن العواصم الاخرى. ويقولون، على سبيل المثال، ان الاجراءات التي اتخذت في شارع اوكسفورد في لندن قد خفضت الجريمة بنحو 44 في المئة خلال الاشهر الستة الاخيرة.
الا ان برلين، على الرغم من التهويل، تبقى واحدة من العواصم العالمية القليلة التي تسجل فيها جرائم القتل أقل نسبة. اما الاحصائيات التي تقفز عددها الى الالاف ففي معظمها مخالفات لا تؤدي بصاحبها لأن يقف خلف القضبان.
وتبقى برلين جميلة وهي تزدان بالاضواء وبالألوان وتقدم مسارحها وحاناتها ومقاهيها الليلية متعة للكثير من الناس وتسهر بعض مراكزها حتى الصباح.