خلال حرب تحرير الكويت وقف معظم المثقفين والتكنوقراط والتيارات الفكرية والسياسية مع بعض الأنظمة العربية، لكنه مارس ضغوطاً سرية من خلال الخطابات والمنتديات والمناصحة المباشرة بهدف الإصلاح، باستثناء تيار الإسلام السياسي، الذي عارضه وجاهر باختلافه معه، بحجة رفض تدخل القوات الأجنبية. واستثمر هذا الخلاف في كسب الشارع لمشروعه السياسي، ولم يكتف بمهاجمة أميركا والغرب، بل فتح حواراً علنياً وجريئاً أكثر من بقية التيارات عن تداول السلطة والإصلاح الاقتصادي والسياسي وحرية التعبير وهموم الشارع. ووجد بعض الأنظمة أن خطاب هذا التيار يجد قبولاً عند الناس، فقام فهادنه ووعده بلبن العصافير مثلما وعد غيره.
بعد نهاية الحرب تنكر بعض الأنظمة لكل وعوده التي قدمها للتيارات التي وقفت معه وناصحته سراً، ولم يفعل شيئاً في قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي وحرية التعبير. وكثمن لسكوت المطالبات قدم تسهيلات لتيار الإسلام السياسي وتبني طروحاته وفتح له المنابر ووسائل الإعلام، وضيق علي المواطنين في حياتهم اليومية. وعلي رغم أنه لم يحقق مطالب هذا التيار التي كسب بها الجماهير خلال الأزمة، إلا إن هذا التيار رضي بـ التسهيلات واعتبرها خطوة علي الطريق وثمناً لصمته عن عدم تنفيذ وعود الإصلاح، وتغاضيه عن تقييد حركة بعض رموزه واعتقالهم.
وجاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) فوجد بعض الأنظمة نفسه في مواجهة تيار الإسلام السياسي مجدداً. وإذا كان هذا التيار وجد فرصته من خلال رفض تدخل القوات الأجنبية سابقاً، فهو هذه المرة يستمد قوته من أن هذه الحرب ستطاول المدارس الدينية والمناهج والجمعيات الإسلامية والتبرعات، فهل سيلعب بعض الأنظمة معه لعبة التسهيلات مجدداً؟ وهل سيكتفي هو بهذا الثمن؟
يستطيع بعض الأنظمة السياسية أن يتجاوز أخطار الإجابة عن هذه الأسئلة، ويعي خطورة لعبة التنازلات للتيارات المتطرفة التي لا يمكن كسبها. والحل بإصلاحات سياسية واقتصادية جدية، واحترام حرية التعبير، ووقف لعبة التنازلات والتسهيلات التي تؤجل المشاكل ولا تحلها، واستثمار هذه الظروف باستبدال بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية وحرية الرأي بالوعود التي تظهر عند الأزمات.(الحياة اللندنية)