&
إيلاف- ضحى خالد: في ورشة الحدادة الصغيرة، حيث تنتشر قطع معدنية من مختلف الازمان، يعرب جميل، وهو من اصل مصري، عن دهشته لأن "جميع الناس نسوا" وجود اقلية مصرية في مقدونيا يعود بعض افرادها الى ما قبل ظهور الاسكندر الاكبر.
ويقول جميل "لقد نسينا العالم كله، وفي مصر لا يعرفون حتى اننا موجودون"
ينتمي جميل (48 سنة) وهو اسمر البشرة، الى الجالية المصرية التي غادر مغامروها الاوائل ارض الكنانة ليستقروا في البلاد التي اصبحت اليوم تشكل دولة مقدونيا، وازداد عددهم في عهد السلطنة العثمانية التي كانت تسيطر على منطقة البلقان كلها، خاصة إبان حكم محمد علي باشا لمصر.
ويقول المسؤولون عن الجالية المصرية ان عدد افرادها يبلغ 15 الف نسمة على الأقل، في حين تقول السلطات المقدونية انهم لا يزيدون عن سبعة آلاف من أصل السكان البالغ عددهم مليوني نسمة.
ويعيش معظم افراد الجالية المصرية من مسلمين وأقباط في منطقة اوهريد الواقعة جنوب غربي مقدونيا، وتمتد منطقة اوهريد ببحيرتها التي وضعت تحت حماية اليونيسكو عند سفح سلسلة من الجبال التي تكلل الثلوج قممها، وتشكل الحدود الطبيعية مع البانيا.
ويصف المقدونيون اوهريد بأنها "قدس البلقان" بسبب كثرة كنائسها ومساجدها التاريخية، ولكونها اقدم مركز ثقافي سلافي في هذه المنطقة المضطربة من اوروبا، ويعرض رئيس جمعية مصريي مقدونيا، روبيم جيموم، بفخر واعتزاز، ورقة نقد مقدونية تحمل صورة الإلهة المصرية القديمة ايزيس التي شكلت الدموع التي ذرفتها على زوجها، إله الخير القتيل اوزيريس، نهر النيل.
ويقول جيموم، وهو عالم اثنولوجيا (علم اصول السلالات البشرية) "إننا نحاول الحفاظ على تقاليدنا، ولكننا نتبع ايضا تقاليد شعوب البلقان الاخرى"، ويضيف ان الزواج المختلط "نادر جدا"، وأن جميع افراد الجالية يتحدثون المقدونية مستخدمين احيانا تعابير من المصرية القديمة، مثل "مزير"، أي الذرة، ولكنه من "النادر جدا ان يستخدموا تعابير عربية". ويشير الى ان النساء يصنعن البقلاوة ولكن "على شكل أهرامات"، وبسبب ضعف الامكانات لم تصدر صحيفتهم "صوت مصر" سوى مرة واحدة في 1998. ويقول مسؤول الجالية ان التلفزيون المقدوني "لم يبث سوى تحقيقين عنا خلال عشرة أعوام"، الا ان التلفزيون المحلي "يخصص لنا بعض البرامج بين الحين والآخر"
واعتبر رئيس الحركة الديموقراطية لمصريي مقدونيا (1500 عضو)، داود عزتوفيكس، ان المشكلة الاساسية التي يواجهها مصريو مقدونيا هي "إنهم غير ممثلين بعد في المؤسسات الرسمية أو الشعبية " في البلاد، وأضاف "إننا مواطنون صالحون نسدد كل ما علينا من ضرائب، لكننا نعامل كمواطنين من الدرجة الثانية، فليس لنا الحقوق الكافية في مجال التعليم والتوظيف للحفاظ على وجودنا كمجموعة عرقية قديمة".
ورأى عزتوفيكس ان الأزمة الاخيرة، التي نجمت عن المعارك التي شنها المتمردون الالبان مؤكدين انهم يريدون تحسين ظروف الاقلية الالبانية، تشكل فرصة لتحسين ظروف الأقلية المصرية.
وفي حي المصريين في اهريد تبدو رائحة التبغ المعطر بأريج التفاح التي تفوح من النراجيل، وحيوية شوارع القاهرة الواسعة التي تظلل جانبيها الاشجار الوارفة بعيدة عن مصريي مقدونيا.
ويقول جميل بلهجة يشوبها الأسى "أحلم برؤية الاهرامات ولكن إمكانياتي المادية لا تسمح لي بذلك".
وفي مشغله الرمادي النوافذ الذي علقت فيه صورة لتيتو "الصديق الوفي لناصر"، يحاول جميل ان ينقل الى أولاده "تقاليد بلاده لكنهم للأسف لا يريدون مجاراته".