انتهت أسطورة طالبان وتنظيم القاعدة كما كان متوقعا لها أن تنتهي‏..‏ مجرد ظاهرة عابرة لم تدم أكثر من سبع سنوات‏,‏ ولكنها تركت وسوف تترك في المستقبل آثارا يصعب تقويم نتائجها الراهنة‏,‏ ربما بأكثر مما تركته حرب الخليج من نتائج‏.‏
انهار حكم رجال الدين الأفغان بزعامة امامهم الملا عمر‏,‏ وبتأييد من تنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن وجماعات الاسلاميين الخوارج بقيادة الظواهري ومن تبعه من التنظيمات المتطرفة‏,‏ التي اجتذبت اليها الألوف من الشباب العربي والاسلامي‏,‏ سعيا وراء سراب الدعوة الي اقامة حكم الاسلام الصحيح‏.‏
وإذا كانت طالبان قد ظهرت كرد فعل لحالة الفوضي التي سادت أفغانستان بعد خروج السوفيت‏,‏ ونشوب الصراع المجنون بين فصائل المجاهدين‏,‏ ونجحت في بسط سيطرتها بقيادة الملا عمر علي معظم الولايات الأفغانية في فترة وجيزة دون أن تتورع عن استخدام أكثر الأساليب وحشية لقتل معارضيها وفرض سلطانها أحيانا أو برشوة زعماء القبائل أحيانا أخري‏..‏ فإنها فشلت في اقامة حكم من أجل الشعب الأفغاني بالمعني الصحيح‏.‏ فقد انهارت علي يدي الحركة كل مؤسسات الدولة وتقهقرت الحياة فيها إلي صورة مظلمة لحياة بدائية تنتسب إلي العصور الوسطي‏.‏
لهذا كله لم يصمد النظام الطالباني لنفخة واحدة أمام القوة العسكرية الطاغية والجامحة لأكبر دولة في العالم‏.‏ وكان مبعث الدهشة‏,‏ حين بدأت الحملة العسكرية الأمريكية‏,‏ هو في هذا الحشد الهائل للقوات الأمريكية المزودة بأحدث الأسلحة السرية والمعدات الالكترونية‏..‏ ولكن هذه الدهشة ما لبثت أن زالت حين اتضح أن هجمات اليوم الأسود من سبتمبر قد هيأت فرصة ذهبية‏,‏ ليس فقط لسحق طالبان وبن لادن وأشباههما كفئران تجارب لنظم الحرب الجديدة أو الحرب غير المتوازية‏,‏ التي تدار فيها المعارك عن بعد ولكن أيضا لتثبيت السيادة المطلقة للقوة الأمريكية علي العاالم أجمع‏,‏ بحلفائه وأعدائه‏..‏ ولهذا رفضت واشنطن أن تشرك أحدا حتي من حلفائها في أسرار هذه الحرب الجديدة‏.‏ وعلي هؤلاء الحلفاء أن ينظفوا ما خلفته الحرب من مشكلات‏.‏
ليس يهم في ضوء ذلك ما إذا كان لدي امريكا أدلة قانونية قاطعة تدين بن لادن والقاعدة أم لا‏..‏ ولا أن تقدم كشف حساب للعالم عن الوف المعتقلين والمشتبه فيهم في سجون امريكا‏..‏ وليس يهم إذا اتسعت دائرة الحرب لتقتص أمريكا من خصومها في الصومال والعراق ولا إذا اعطت اسرائيل الضوء الأخضر لضرب المقاومة الفلسطينية والتخلص من عرفات‏..‏ فهذه وغيرها نتائج سوف يقضي المحللون الاستراتيجيون عندنا عمرهم في تقصي أبعادها‏.‏
أما جذور المشكلة الحقيقية التي تمس الوجود والمستقبل العربي‏,‏ فهي الاجابة عن سؤال حائر‏:‏ لماذا كان علي آلاف الشباب العرب أن يذهبوا إلي حيث يلقون حتفهم في هذا الكمين الكوني المتفجر‏,‏ فهذا ما لم يخطر ببال أحد‏!!(الأهرام المصرية)‏