&
*قضية لا تستحق الانتظار لقرارات مستشارين لا يستشارون
لندن ـ نصر المجالي: خمسون عاما ونيف تمر على اول مرة حمل فيها السلاح مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر محاربا ومتطلعا الى العودة، لم تكن تمر على الكارثة الاولى سوى اشهر معدودات، ومن هناك عرف المنافي ليعود منفيا مرة اخيرة.
ياسر محمد عبد القادر القدوة الحسيني، مقدسي، غزاوي، مصري، كويتي، اردني، لبناني، تونسي، قبرصي، واسرائيلي ايضا.
هذه الجنسيات المتعددة تجعل منه رجلا عالميا، لا ان يحاصره العالم كله في لحظات من اليأس والشدة، حاز نوبل، وكانها واحدة من الكوارث، حمل الكلاشينكوف، والهم معا، وحمل شفتين لتبويس اللحى، وهو قال يوم "ابوس اية لحية او شوارب تعيد لنا ارضا، حتى وان كانت منزوعة الاحذية وليس الاسلحة".
واصابه الباركنسون، وتجمل وتحمل غير عابىء بالموت على الطريقة المرصودة في عمر الانسان الهيا، وقال ان النفق يضيء في النهاية وانه "يرى مآذن القدس واجراس كنائسها وهياكلها تشع املا بالسلام.
حلم امتد خمسين سنة عجاف ونيف، فلا المآذن صدحت بصوت السلام ولا الاجراس قرعت ولا المعابد اعولت، فاليوم اكدر والنهار عبوس، كما افادت به ثلاثية ابراهيم طوقان الحمراء حين شنق السابقون لياسر عرفات من ابناء فلسطين في يوم الاربعاء الدامي عطا الزير ومحمد جمجوم وسلامه حجازي.
اليوم كما قال الثائر البدوي من الجزيرة العربية زعيم الحويطات عودة ابو تايه قبل مائة عام "الله من قطع الاصيله.. يا عوده يصيح من الجور".
وفي منفاه في الوطن العائد اليه على كف الرحمة الاسرائيلية يحبس ياسر عرفات في رام الله وحبس قبلها في غزة ومن قبلها في اريحا، ثلاث من مدن السجن والنفي، لماذا لانه قال نريد السلام؟؟؟
ويصيح ياسر الختيار من الجور هذه المرة، جور الاصدقاء، وجور الوعود، حتى اوروبا صديقة الامس قلبت له ظهر المجن وطالبته بفعل الكثير، وهو هنا ماسور كابي فراس الحمداني في سجن ليس معه حتى حمامة السلام التي اطلقها.
على الاقل قال امير الشعر ابا فراس "ايضحك مأسور وتبكي طليقة ايا جارتا لو تشعرين بحالي"، الحمامة هنا اسرائيل، والعالم على ما يبدو معها، عالم الشدة والقوة والهيلمان،.
عاد منتصرا باسم السلام بعد اتفاقيات اوسلو السرية بترحيب جم من اعدائه قبل اخوته واشقائه في العام 1996، ويومها قال حاخام اسرائيلي "انا اقرأ خفايا تاريخنا العبري جميعه، ومع جميع البطولات الخرافية التي تعودنا عليها في الدرس واقحامها على ذاكرة الاجيال، فان علينا ان نتوقف لحظة واحدة فقط وباحترام لما فعله هذا الرجل من اجل اسرائيل".
وهو هنا قصد ياسر عرفات، واضاف الحاخام "مطلوب منا ان نبني له تمثالا نخلده فهو اول قائد في التاريخ اعترف بنا"، الحاخام كان يعني ما يقول في الحال التاريخي، اذ في امتداد السنوات والصراعات كان كل غاز الى "اليهودية والسامرة" يفعل فيها اعمال التدمير.
وهذا ما تم مع نبوخذ نصر المثال الكبير لصدام حسين، وهو ايضا بالنسبة للرومان الذين اقتلعوا الهيكل السليماني الى الابد لترثه الديانة الاسلامية السمحة باقامة مسجد الصخرة وشكرا للخلافة الاموية المروانية الراشدة في الفعل التاريخي العظيم. فالارض يرثها عبادي الصالحون.
وتلك الرسالة التي لغيرنا الراي فيها ولغير ياسر عرفات او "اسدالله" الاسرائيلي ارييل شارون؟ وللعلم فان ارييل في العبرية تعني في العربية "اسد الله" كانت رسالة المعراج الشريف من ربى مكة الى مهابط القدس عبر صاحب الرسالة الاعظم محمد بن عبد الله الى "اورو ساليم" او اورشليم او بلد السلام، موقع نزاعات الزمن المتقدم والحضارة على راي الذين ينفون حقوق الشعوب الاخرى بمسميات عددا.
هذا المعزول عن العالم اليوم بقرار عسكري اسرائيلي الذي هو ياسر عرفات ما ذنبه كانسان كهل يتحمل جميع هذه المصائب، هو اخطأ كثيرا من دون شك ولكنه على ما يعتقد لم يخطىء حين عاد سلما الى ارض له ولاجداده.
بالطبع عاد معه مراوغون وقتلة وذوي تاريخ اسود في التعامل على كل وجوهه السياسية منها والاعلامية والاقتصادية، هنا انت ..تحاول بناء دولة ومن الزحام والسخام..
هيأ له بعض الناس ان علما وحرس شرف وتحيات وقبلات في المطار الوطني او مطارات الدنيا بدايات الدولة، والختيار من دون أي بصيرة ذهب في الشوط، وصار فعلا يستعرض حرس الشرف، ويؤدي التحية الى علم لم يرفع في حال استقلالي بعد، واسرائيل ترقب المهزلة؟؟؟.
جاء الختيار بمستشارين لا يستشارون الى مواقع القرار، وبعضهم تكلم كثيرا وثرثر كما يحلو له، فيما كان متفاوضون مزنوقون في اتخاذ القرار، عسكر برتب لم يحملوها استاثروا في كل شيء حتى انهم تعاملوا مع العدو على عاتق القضية، وهم اليوم على راس المؤسسات الاعلامية والامنية والسياسية ايضا.
اذا ماذا سيفعل هذا الختيار المعتقل؟ دمروا المروحيات المهداة اليه عربيا، ومطار غزة الذي بني باموال دافعي الضرائب الاوروبية لم يعد على حاله، اذا عرفات لا يستطيع بحال المشاركة في مؤتمر اسلامي في الدوحة او مؤتمر عربي في عمان، حتى في أي مؤتمر داخل الضفة وغزة.
وحين تحفر الجرافات الاسرائيلية مطار غزة فكانما هي تحفر في القرا التلقائي الذ غلط فيه الختيار بعد ان انتصح لمن لا ينصحوه.
اسرائيل دولة عدوة، وهذه حقيقة في المنطقة ولكن "ما خلا الروم ان خلفك روم.. فعلى أي من جانبيك تميل؟"
وهذا عود على قصائد ابي فراس الحمداني ومناجاة الحمامة. عرفات ركب رأسه على ما يبدو، وغيره اكبوه الراس راسين، وقالوا له انت الرأس والرئيس والمترأس، وصدق كل الذي قيل حين تصدح موسيقات حرس الشرف الغزاوي كما يحلو لها بانغام لم يفهمها الرئيس؟.
يعرف الختيار ان شارون الذي هزمه في حرب ضروس قبل نيف وعشرين عاما في بيروت لن يصافحهه، ولن يقبله كعادة اسحق رابين، اذ المنتصر اكبر من المهزوم. وهذه طبائع العلاقات الدولية بين قوي ومهزوم والقوة عامل حسم في العلاقات الدولية.
قيل له عد الى كامب ديفيد ورفض، واستجار مع عرب الجوار وقالوا له عليك الذهاب ولم يسمع، هو رفض اعتقادا منه ان ثورة الانتفاضة الثانية هي له وملك يديه، هنا اخطىء الختيار التقدير، وكانت الاشهر السبعة الماضية كارثة عليه وعلى غيره.
القائد الذي لايخطط استراتيجيا الى ابعاد طويلة المدى يسقط خصوصا اذا كانت قرارات تخطيط فردية، لم يلاحظ الختيار المحاصر ان حليفه العراقي صدام حسين اخطأ التقدير؟ وكذا الحليف الآخر في السودان، والحال نفسه مع اليمن التي تترجى واشنطن الآن باصدار العفو؟.
شوارع تنطلق على هواها من واقع الجوع والدفع المسبوق ماليا لجهات محركة مستفيدة وحدها حركت الناس، وقيل هذا حال العرب، اناس يريدون التحرر؟ والى اللحظة لا احد يعرف ممن سيتتحرر العرب في القرن الواحد والعشرين؟.
بدو ان خطيئة المناضلين انهم لا يعرفون ان الزمن لايتقدم حسب اهوائهم مع جملة من المستشارين الاغبياء، وانهم لا يقدرون هذه الميكانيكية في التقدم الانساني السريع، ومهما كانوا قادة ومناضلين فان تبعات عليهم وعلى جماهيرهم محاسبتهم عليها.
يبدو ان اسرائيل التقطت الخيط ثم بدأت معاقبة الختيار على اخطائه من خلال اخطاء مستشاريه الذين قالوا له ان "موعدنا مع القدس قريب، وهم صدقوا كل الوعود بدولة مستقلة".
لم يدرك هؤلاء المستشارون ان اسرائيل حين قامت كدولة "مصطنعة" في المنطقة حازت على جهد تاريخي استمر نحوا من اكثر من قرنين، مشفوعة بنظريات واراء وقرارا سياسية ومالية واستراتيجية وحشد من الافكار في حين كان اهل الارض الاصليين في غيبوبة من وعن كل شيء.
والى ذلك، حين قال محمدود درويش في مطلع الثمانينات في قصيدته الشهيرة خلال اجتماع المجلس الوطني في تونس "ما اكبر الفكرة.. ما اصغر الدولة كان صادقا".
واذ مديح الظل العالي الفلسطيني غير مفهوم على نمط فلسطيني في دولة وسلطة واستقلال قرار يبقى الظل العالي لرئيس المنظمة الختيار ياسر عرفات قائما ممارسا دكتاتوريته رغم هذا السجن الاخير والمنفى الخير.
هل يستحق ذلك؟ لا احد يعرف، ولكن قضية الشعب الفلسطيني لا تستحق الانتظار طويلا، والا سيكون الطوفان؟