وها هو شريط فيديو آخر، أولاً لا جدال في صحته، وثانيا لا جدال في هوية بطل الفيلم اسامة بن لادن، وثالثا لا جدال في صحة ان القول صادر عنه والصوت صوته، ورابعا لا جدال في قوله لضيفه انه علم بتفجير البرجين في نيويورك في 11 سبتمبر قبل وقوع الحادثة بخمسة أيام وانه سأل كل واحد من الانتحاريين ان يذهب لاميركا دون ان يعرف احدهم عن طبيعة العملية شيئا وان كانوا قد دربوا عليها، الى آخر التفاصيل التي ظهرت دامغة في اعترافاتها المسجلة على فيديو من قبل احد معاوني بن لادن نفسه.
رغم كل هذا الوضوح فان هناك من لا يريد ان يصدق، فقد حفر في رأسه تلك الصورة الرومانسية عن رجل بسيط بريء لاحقته اميركا الشريرة وتكالبت عليه قوى العالم وهو القابع في كهفه. وهناك من يريد ان يدافع عن موقفه وإن كان يعرف ان ظنونه خيبها الفيديو الجديد.. احدهم يتسمى بخبير عربي في واشنطن اصر على ان بن لادن لم يعترف بمسؤوليته عن الحوادث الارهابية، ولماذا يا سعادة الخبير رغم ان بن لادن قالها بلسانه؟ يقول: لأن بن لادن نفى من قبل مسؤوليته في الفترة الطويلة التي اعقبت الهجمات. ولكنه قالها في هذا الشريط العائلي؟ يرد ربما انه اراد ان يتباهى ويتفاخر بعمل لم يقم به. ويظهر مشكك آخر من جناح بن لادن فيقول ان الشريط غير كاف، ولماذا؟ يقول لأن وزارة الدفاع الاميركية اوضحت انها ترجمة غير حرفية وهذا يدفع للتشكيك في صحة المعلومات المنقولة، ناسيا ان المتهم بن لادن يتحدث في الشريط بالعربية، والترجمة تهم الآخرين غير العرب.
واجمل تعليق على هذه الحالة الغريبة قاله زميل لي وهو ان الذين لا يريدون ان يصدقوا شيئا فهم لن يصدقوه مهما قدمت لهم من ادلة، فقد قرروا لانفسهم وحسموا الأمر حتى لو اتصل بهم بن لادن معلنا اعترافه. وهذا قول صحيح بدليل ان من يراجع التعليقات اللاحقة لاحداث الحادي عشر من سبتمبر يجدها متناقضة وتصدر عن فم واحد. ففيها نفي ان اي مسلم يمكن ان يقدم على ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة بحق اناس عزل لا ذنب لهم، ثم يردف قائلا، كمن يتحدث وهو نائم، ان بن لادن على حق حتى تدفع واشنطن ثمنا لمواقفها الظالمة في القضية الفلسطينية.
هذا التناقض يعبر عن شخصية من لا يرغبون في تصديق غير ما يريدون تصديقه، مفضلين اللجوء الى التبرير والتكذيب والتجاهل لما يخالفهم. فمنذ اللحظة الأولى التي خرج فيها بن لادن مباركا ومحييا قتل اربعة آلاف انسان هناك كان واضحا من كلامه ورسالته انه الفاعل لأنه نفسه قالها بصورة شبه مباشرة. كلامه كان واضحا وصوته واضحا، ومع هذا من لا يريد ان يصدق فلن يصدق. (الشرق الأوسط اللندنية)