لندن- أبرهة زرسناي: في الجزء الاخير من مقابلة الصحافي الامريكي توماس فريدمان، يتحدث عن مستقبل افغانستان، والحرب الثقافية التي يعتقد انها اهم من الحرب ضد العراق او افغانستان. كما يشير الي ما يعتقد انه عجز في الحكومة السعودية، التي اساء سلوكها فيما بعد احداث ايلول (سبتمبر) الماضي الولايات المتحدة، لانها رفضت حتي التساؤل عن سبب خروج عدد كبير من الخاطفين منها. ويعتقد فريدمان ان يهوديته لا تلعب دورا كبيرا في مواقفه تجاه الدول العربية، فهو انتقد اسرائيل وحكومة نتنياهو بنفس الطريقة التي وجه فيها انتقادات للدول العربية، وبعيدا عن هذا فان ما حدث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) كما يقول كان جزئياً ذا علاقة بنا، بمن نحن وماذا نريد . وبنفس السياق يتعلق بكم، من أنتم وما الذي تفعلونه، إنه يتعلق بعلاقتكم بدينكم وبالحداثة .

إثر الانهيار السريع والتام للطالبان، يقال إن الولايات المتحدة تريد أن تنأي بنفسها عن أفغانستان، الأمر الذي يؤذن بخلاف مع البريطانيين ناهيك عما سيكون له من آثار مدمرة علي المنطقة بأسرها. فهناك تخوف من أن ينتقل المقاتلون إلي كشمير أو أن يعمدوا إلي قلب حكومة مشرف، ولكن الأخطر من ذلك كله أن مثل هذا القرار يخشي أن يعيد إنتاج الظروف التي جاءت بالطالبان إلي السلطة في المقام الأول: أي الفراغ السياسي والفوضي إلخ. هل من الحكمة أن تقدم الولايات المتحدة علي ذلك؟
توماس فريدمان: لا أدري من أين تستقي معلوماتك. بالأمس فقط قال الرئيس بوش علينا أن نكون مستعدين لحرب طويلة. ولذلك لا أظن أنك ستري الولايات المتحدة تغادر أفغانستان، ليس قبل أن تصبح فيها بنية، بنية سياسية وأمنية، بنية قادرة علي الأقل علي ضمان ألا تتاح الفرصة أمام شبكة أخري مثل القاعدة لأن تضرب بجذورها هناك. ما أنجزناه بداية في أفغانستان جيد ولكن هناك الكثير مما ينتظر أن ينجز، ولعل أصعب مراحل هذه المهمة لاتزال أمامنا، وكما قال بوش اليوم: أود أن يفهم الناس في أمريكا ما يلي: إن أفغانستان تلج مرحلة زمنية صعبة وإننا قد نبقي هناك لفترة طويلة، وهذا لا بأس به لأن لدينا في أذهاننا غاية وسوف نبقي هناك إلي تتحقق هذه الغاية .

هل قال ذلك لك بالفعل؟
توماس فريدمان: لعلك ترغب في طرح سؤال آخر.
دفع الانهيار السريع للطالبان البيت الأبيض إلي تبني بعض القرارات السياسية دونما ترو، ولا أدل علي ذلك من فشل خطاب كولين باول وضع تفاصيل الخطوات القادمة الكفيلة بإحياء عملية السلام والمضي بها نحو الحل. بالمناسبة، لقد اتفق الفلسطينيون والإسرائيليون علي هذه النقطة، وهو أمر في منتهي الغرابة. ولعل خطابه قد كشف عن التوتر الذي تعاني منه الاستراتيجية الأمريكية: من حيث أن الحملة العسكرية متقدمة جداً إذا ما قورنت بالمسار السياسي المتقهقر. إنها مسألة رؤية، ماذا تظن؟
توماس فريدمان: هذا سؤال جيد. في الحقيقة لا أستطيع أن أخبرك، ولكن دعني أخبرك عن شعوري بشكل عام: هناك طريقان يمكن أن تسلكا بعد أفغانستان، أما الأولي فهي ما أسميه الحرب ضد العراق، وأما الآخر فهو ما أسميه حرب الأفكار والتي تستهويني أكثر من الحرب ضد العراق. أعتقد أن حرب الأفكار هي الحرب التي يمكن أن تشن ولسوف تشن، بل وقد بدأت فعلاً، داخل العالمين العربي والإسلامي وتتمثل في التساؤل حول نوع المجتمع الذي نريد بناءه وحول موقفنا من الحداثة ومن الديمقراطية ومن التعددية وما هو موقف ديننا العظيم والكريم من الحداثة ومن التعددية ومن الديمقراطية. لقد تابعت الحوارات التي تجري علي صفحات الجرائد العربية، ولقد رأيت للمرة الأولي مقالات مثيرة للاهتمام حول هذا الموضوع. حرب الأفكار هذه تهمني أكثر من الحرب ضد العراق. حرب الأفكار هذه هي الحرب الأهم بالنسبة لنا إذ نشنها ونكسبها وندعمها من الحرب ضد العراق. ما يقلقني شخصياً بشأن الحرب ضد العراق هو أننا إذا ما خضناها الآن فإننا قد نعيق حرب الأفكار هذه، وبذلك قد نفرض علي كل مثقف وكل حكومة وكل مواطن في العالم العربي الشعور بأنهم جميعاً يتعرضون لهجوم أمريكا والغرب عليهم. أخشي أن يحول الهجوم علي العراق دون أن يبادر العرب إلي شن حرب الأفكار هذه لأن من يفعل ذلك في مثل ذلك الظرف سيبدو خائناً ومنافقاً ومضعفاً للأمتين العربية والإسلامية بينما تتعرضان للهجوم. أظن أن ذلك سيشكل خطراً كبيراً وحقيقياً.

أخبرني عن المقالات التي ذكرت أنك اطلعت عليها، أي قطاع من المثقفين تمثل أفكاره تلك المقالات؟
توماس فريدمان: قرأت الأسبوع الماضي عموداً للكاتب الباكستاني عزت مجيد وأنا الآن أقرأ عموداً آخر للمثقف الكويتي أحمد البغدادي.

أنا نفسي قرأت للكاتب عزت مجيد ولكن للأسف لم أسمع بأحمد بالبغدادي، هل تقصد أحمد الربعي؟
توماس فريدمان: لا، الدكتور البغدادي الذي نشرت مقالته في صحيفة الأنباء وأعيد نشرها في أخبار اليوم . إنه أستاذ جامعي في الكويت.
لم أزدد معرفة، ولكن حدثني ما الذي قاله الدكتور الفاضل.
توماس فريدمان: شارون إرهابي، فماذا عنكم؟

صحيح. إذا ما أردت أن تحيط بالجدل الجاري حول قضايا الإسلام والحداثة والتاريخانية فإنك بحاجة لأن تقرأ ما يكتبه أركون.
توماس فريدمان: سأفعل ذلك.

يبدو أن جهداً يبذل في أمريكا لإعداد قضية ضد صدام حسين، وهذا بشكل أو بآخر يرشح العراق لأن يكون هدفاً في المرحلة الثانية من الحرب ضد الإرهاب. ما هو احتمال نقل المعركة إلي العراق؟
توماس فريدمان: لا أدري ولم أحسم أمري بعد. أنا بصدد كتابة عمود حول ما إذا كنت سأؤيد ذلك أم لا. كل ما يمكن أن أقوله هو: بينما نوازن موضوع الحرب في العراق سوف يعتمد ذلك جزئياً علي ما سيفعله صدام، وسوف يعتمد جزئياً علي الدليل كما سيعتمد جزئياً علي ما سيقوله حلفاؤنا العرب، ولكنه سيعتمد أيضاً علي شيء جديد: صور التقارير التلفزيونية كالتي نراها في نشرات الأخبار حول أفغانستان. لا يمكن للمرء أن يشاهد الأخبار ويري صور النساء وهن ينزعن البرقع عنهن، والشباب من الرجال والنساء وهم يتدافعون نحو دور السينما، والبنات الراغبات في الذهاب إلي المدرسة، والناس الراغبون في التعبير عما يجول في خواطرهم. لا يمكن للمرء أن ينظر إلي أفغانستان دون أن يلاحظ إحساس الناس ـ الذي لا يكاد يصدق ـ بالتحرر من قبضة النظام الشمولي للطالبان. لا يستطيع المرء التمعن في كل هذه المشاهد دون أن يتساءل ماذا يمكن أن يحدث لو تمكنا من تحرير العراق من قبضة هذا الدكتاتور القبيح، وما إذا كنا سنري كثيراً من المشاهد ذاتها وما إذا كنا سنقدم للعراقيين الذين عانوا بسبب هذا الرجل لسنوات طويلة ولم يتمكنوا حتي الآن من استثمار مكنونات مجتمعهم كرجال ونساء في العالم الحديث لأنهم كانوا دوماً في حروب ورطهم فيها هذا المجنون تارة ضد إيران وتارة ضد الكويت وتارة ضد العالم بأسره لعشرين عاماً. ماذا سيكون شعورهم لو تحرروا هم أيضاً؟

أكره أن أعلق ساخراً يا توم، وذلك أن كثيراً من العراقيين والكويتيين والسعوديين يعتقدون بأنه كان بإمكانكم خلعه لو أردتم ولكنكم اخترتم ألا تفعلوا. بمعني آخر أنتم مسؤولون عن الفوضي الهائلة التي تعم العراق.
توماس فريدمان: بالتأكيد، أنت قطعاً محق فيما تقول. لقد أخفقنا، اخفقنا بشكل مزر للغاية. وأظن أن تجربتنا السابقة ستثقل كاهلنا هذه المرة.

لو أراد الرئيس بوش أن يكتب رسالة إلي صدام، ماذا كان سيقول له فيها؟ ما رأيك، هذا مع أخذ الأحداث الراهنة بعين الاعتبار؟
توماس فريدمان: رسالة قصيرة جداً: العقبي لك.

لقد قرأت رسائلك عبر السنوات الماضية ولكم استمتعت بها. بالنسبة لك، ما الذي يشعرك من خلال كتابتها بالرضي وما الذي تشبعه فيك؟
توماس فريدمان: قد أؤلف كتاباً في يوم من الأيام حول كل هذه الرسائل، ففيها قصص مثيرة للاهتمام. بدأت بكتابتها لأنني من حين لآخر أتحاور مع بعض الناس في جلسات خاصة ويتكون لدي إحساس بما يريدون قوله وما يكنون في أنفسهم من أحاسيس مع أنهم لا يتمكنون من البوح بها لأسباب دبلوماسية. هذا ما دفعني إلي كتابة الرسائل. يقول الناس: هل تصطنع أنت الكلمات؟ الكلمات تخرج من فمي، من قلمي، من رأسي، ولكنها تتأسس بناء علي تقارير موسعة للغاية. ولهذا فأنا أكتب هذه الرسائل منذ ثمانية أعوام تقريباً ولم يحدث مرة، ولا مرة واحدة، أن جاء شخص كتبت رسالة باسمه ليقول إن الرسالة سببت له إحراجاً أو إنها لا تعكس وجهات نظره.

ولكن هل جاءك أحد من هؤلاء ليقول لك أحسنت صنعاً يا توم، ذلك بالضبط ما كنت أريد قوله، وحيث أنك قد بحت به فإنني أشعر بالارتياح الشديد . كم مرة حدث ذلك؟
توماس فريدمان: حصل ذلك في بعض الأوقات، ولا أرغب في الدخول في التفاصيل. نعم، حصل أن جاءني زعماء ورؤساء مختلفون وقالوا لي بشكل غير مباشر: شكراً لك لأنك كتبت ذلك، فهذا بالضبط ما كنت أرغب في قوله .
أود أن أخاطر هنا بتكهن: هل حصل ذلك في حالة الرئيس كلينتون بعد أن كتبت رسالة باسمه موجهة إلي حسني مبارك؟
توماس فريدمان: حسناً، أنا لا أتكلم باسم الرئيس.

هيا يا رجل، أنا أيضاً أحاول أن أعد تقريراً موسعاً.
توماس فريدمان: ما كنت لأتكلم نيابة عن الرئيس كلينتون، ولكن دعنا نضع الأمر علي النحو التالي: لم تر مسؤولي البيت الأبيض ينأون بأنفسهم عن الرسالة (يضحك) ولو قرأت الرسالة بتمعن ستلاحظ أن كلينتـون يقول في الرسالة: كما قلت لك خلال مكالمتنا الهاتفية من أوكيناوا . أريدك أن تعلم يا أبرهة أن شخصين فقط كانا يتكلمان عبر الهاتف حينها ولم أكن أنا واحداً منهما.
هل أفهمك جيداً؟
توماس فريدمان: أترك لك الاستنتاج.
بدا واضحاً أن الحملة ضد المملكة العربية السعودية في الصحافة الأمريكية قد تكثفت فجأة. المقالة التي كتبتها أنت ونشرت في صحيفة النيويورك تايمز بعنوان علي السعوديين أن يختاروا واحداً من وجهيهما تعتبر نموذجاً لهذه الحملة الصاخبة ضد السعودية. هل لذلك دلالة من أي نوع، وما الذي تريد شخصياً من السعوديين أن يفعلوه؟

توماس فريدمان: هذا ما أراه بشأن المملكة العربية السعودية: أظن أن للمملكة العربية السعودية جانبين، هناك المملكة العربية السعودية التي تستطيع ـ بل هي كذلك ويتوجب عليها ـ أن تشكل جزءاً من الحل، وهناك جانب للمملكة العربية السعودية يشكل جزءاً أساسياً من المشكلة. انتقادي للمملكة العربية السعودية يتكون من مسألة واحدة: كان بإمكان السعوديين أن يوفروا علي أنفسهم قدراً كبيراً من العنت هنا في أمريكا لو أنهم فعلوا التالي، ومشكلتي مع المملكة العربية السعودية أنها لم تخرج عن صمتها لتقول للشعب الأمريكي ولشعبها أيضاً: يا إلهي، كيف أمكن أن يتورط خمسة عشر من أبنائنا في أسوأ هجمات إرهابية في تاريخ العالم الحديث وفي تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؟ نحن في غاية الأسف، في غاية الأسف لذلك وننوي أن ننظر في ذاتنا في تاريخنا وفي عائلاتنا لمعرفة لماذا حدث ذلك . لو أنهم فقط قالوا ذلك ثم جاءوا وقالوا: بينما ننظر نحن في المرآة نحتاج لأن تنظروا أنتم أيها الأمريكيون في المرآة أيضاً حتي تعالجوا القضايا الخاصة بالفلسطينيين والدولة الفلسطينية وما عدا ذلك من أمور . لو أنهم قالوا ذلك لما كانت لدي مشكلة معهم، أما أن يأتوا هنا ليحاضرونا حول القضية الفلسطينية وحول ما لم نقم به وليخبرونا بأننا ندفعهم نحو الجنون لأننا لم نقم بما يجب أن نقوم به، هذا في الوقت الذي تورط خسمة عشر من مواطنيهم في هذا العمل الإرهابي دون أن يتحملوا المسؤولية، ناهيك عن أن يتحملوها بشأن أسامة بن لادن. لقد أغضب سلوكهم هذا كثيراً من الأمريكيين. إذا كنت تظن أن الأمر يتعلق بي شخصياً أو ببعض اليهود، فأنت مجنون.
&

إذن ما فعله العمدة جولياني من رفض تبرعات الأمير الوليد كان تصرفاً سليماً؟
توماس فريدمان: لقد تحدث العمدة رودي جولياني باسم كل الأمريكيين، ولعلي أريك الكم الهائل من الرسائل التي وصلتنا بالبريد الإلكتروني من مختلف أرجاء أمريكا ومستوي التشجيع الذي تلقيته من المسؤولين في الإدارة الأمريكية بشأن المقال الذي كتبته حول المملكة العربية السعودية. أريد أن أوضح ذلك، أنا لست عدواً للمملكة العربية السعودية، أنا أريد للسعوديين أن يكونوا جزءاً من الحل. لا يمكن أن نجد حلاً ما لم تكن أهم وأغني دولة في العالم الإسلامي جزءاً منه. كما قال البعض، العائلة السعودية الحاكمة حليف ممتاز.. &عادل الجبير تكلم مع ثمانية أشخاص وقال لهم لقد تكلمت مع الجميع بخصوص هذا الأمر ولا توجد أدني مشكلة . لابد أنهم فقدوا عقولهم حينما يظنون ذلك لأنه توجد مشكلة، ومشكلة عميقة جداً. أريد أن تكون المملكة العربية السعودية جزءاً من الحل، وأعتقد أنه يتعذر الوصول إلي حل دونهم. ولكن إذا أبوا أن يكونوا جزءاً من الحل فإنهم سيبدون للأمريكيين ـ وبشكل متزايد ـ جزءاً من المشكلة. مبادرتهم بإرسال عادل الجبير ليقابل عدداً قليلاً من النخب في واشنطن لن تجدي نفعاً. وإذا ظنوا ذلك مفيداً فإن لدي جسراً في بروكلين أرغب في بيعه لهم.
هذا كلام قوي.
توماس فريدمان: توقف، دع عنك هذا، اعمل معي معروفاً.
لماذا؟ ماذا قلت؟
توماس فريدمان: أنا لا أخاطبك شخصياً وإنما من خلالك أوجه كلامي للجميع.
هل انا مجنون؟
توماس فريدمان: فقط دعني أقول لك الآتي، إنه شيء مهم.
تفضل.
توماس فريدمان: ينزع البعض إلي اعتبار أنني إذا ما انتقدت مصر أو إذا ما انتقدت المملكة العربية السعودية (يصمت) ولكن حينما أنتقد إسرائيل أو أنتقد بنيامين نتنياهو فليس ثمة مشكلة. أما حينما أنتقد السعوديين أو المصريين، فيا إلهي. هل تعلم كيف يعرفونني في الصحافة العربية: فريدمان، اليهودي. إنه شيء يبعث علي الامتعاض، كيف يكون شعورك لو قلت أبرهة المسيحي أو إبراهيم المسلم . أعلم جيداً الرسالة التي يحملها مثل هذا الوصف للقراء: فقط ادعوه اليهودي ونحن بدورنا ننزع الشرعية عن كل ما يقوله. حسناً، لا بأس إن كنتم تحلمون بأنني فقط أتحدث باسم بعض اليهود وأن كل ما أسعي إليه هو النيل منكم. لماذا لم أتكلم كيهودي حينما نلت جائزة بولتزر لما قمت به من الكشف عن مذبحة صبرا وشاتيلا؟ ولماذا لا أتكلم كيهودي حينما أنتقد بملء الفم ـ ومازلت ـ المستوطنات الإسرائيلية؟ ولماذا لم أكن يهودياً حينما هاجمت بيبي نتنياهو بسبب سياساته الرديئة؟ أنا اؤمن بعملية السلام، فلماذا لم أكن يهودياً حينما طالبت بدولة فلسـطينية في الضفة الغربية وغزة وفي القدس الشرقية؟ ولكن حينما أنتقد الزعماء العرب علي شيء فعلوه ـ وهم المعصومون الذين لا يرتكبون الأخطاء ـ فإنني أنتقدهم لأنني يهودي وليـس لأنني أمريكي ولأنني لا أمثل أحداً هنا. فلتعلوا أنني أمثل أناساً كثيرين هنا وإذا ظننتم غير ذلك ـ ولا أقول ذلك تبجحاً ـ سأقول لكم شيئاً واحداً: أتمني لكم الخير، ولكنكم ستفاجأون بما يوشك أن يصل إلي أسماعكم.
أو حينما تتعرض لهجوم من قبل دانيال بايبس لمجرد انتقادك لبيبي؟
توماس فريدمان: تنالني سهام كل هؤلاء المجانين.
في كتابك ليكساس وشجرة الزيتون خرجت بنظرية جديدة وشجاعة، وإن كان البعض سيزعم بأنها مجرد تعديل لنظرية طالما روج لها الليبراليون خلال الحرب الباردة، ومفادها أن الدول الديمقراطية لا تشن حروباً علي بعضها البعض. أما نظريتك أنت فتزعم ـ وتعرف ـ أداة جديدة من أدوات منع الحرب: البلدان اللذان يملك كل منهما محل ماكدونالدز لن يخوضا أبداً حرباً ضد بعضهما البعض . ووجهة نظري يا توم هي أنهما لا يخوضان حرباً ضد بعضهما البعض لأنهما متخمان بما يتـناولانه من مأكولات رديئة النوعية من شأنها أن تحجرهما وتفقدهما القدرة علي النزال في المعركة. ولكن بالتأكيد ليـس هذا ما كنت تفكر به حينما خرجت عليـنا بنظريتك تلك؟
توماس فريدمان (ضاحكاً): لا بالطبع. نظرية الماكدونالدز ببساطة تقول بأن الأقطار التي بإمكانها احتواء شبكة من محلات الماكدونالدز، ولابد أن تقرأ ما قلته بتمعن، لقد قلت: شبكة وليس فقط محل ماكدونالدز واحدا ، وهي أقطار ذات طبقة متوسطة قادرة علي تحمل تكاليف الأطعمة السريعة، مما يعني أنها تعمل ولهذا يحتاجون الأطعمة السريعة. إذن، هذه كناية عن الأقطــار التي تكونت فيها طبقات متوسطة كبيرة الحجم والوزن، ذلك أن أقطاراً ذات طبقات وسطي من هذا النوع تنزع إلي التركيز علي تنمية ذاتها بدلاً من التقاتل مع الجيران. تلك هي ببساطة الفكرة الأساسية للنظرية التي سعيت للتأكيد علينا وبدا لي الماكدونالدز نموذجاً جيداً لذلك. يأتيني بعض الناس ويقولون لي بأن نظريتي خرجت من الشباك لأن كوسوفو وبلغراد يوجد في كل منهما محل ماكدونالدز.
سؤال: ومع ذلك فهم محقون.
توماس فريدمان: دعني أشرح ذلك، أنا لم أكن أمارس الفيزياء وإنما العلوم الاجتماعية. أنا أتحدث عن توجهات عامة، ولذا لو كانت نظريتي صحيحة بنسبة 99%، فتلك هي طبيعة العلوم الاجتماعية.
سؤال: هناك تخوف من أن الولايات المتحدة كقوة عظمي وحيدة لن تتمكن بسبب كثرة مسؤوليـاتها من تحقيق حلم ويلسون بنشر الديقمراطية في أرجـاء المعمورة، وأنه بمجرد انتهاء هذه الحرب فإن أمريكا ستنكفئ علي نفسها وتنسحب من الدور العولمي الذي تمارسه علي استحياء لتركز اهتمامها علي القضايا القومية، أي أنها ستنكمش إلي الانعزالية. ألا يثير ذلك الشكوك حول دورها كقوة رائدة في عصر العولمة؟
توماس فريدمان: الطريقة الوحيدة للإجابة علي سؤالك ذلك هي التأكيد علي أننا لا نقف بعد علي عتبة نهاية هذه الحرب، ولسنا في نفس الوقت في خاتمة البداية. نحن مازلنا في بداية البداية. ولذلك يصعب الإجابة علي سؤال ما الذي سيؤول إليه الوضع. وما كنت لأتجرأ علي التنبؤ.
سؤال: الكلمة الأخيرة يا توم. ما الذي تود أن تقوله لقرائنا؟
توماس فريدمان: كلمتي الأخيرة هي أن حدث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) كان جزئياً ذا علاقة بنا، بمن نحن وماذا نريد. ولكنه بشكل أساسي يتعلق بكم، من أنتم وما الذي تفعلونه، إنه يتعلق بعلاقتكم بدينكم وبالحداثة. كلانا يحتاج لأن ينظر في المرآة علنا إذا فعلنا ذلك عكسنا من خلال المرآة ما في داخلنا من غضب بدلاً من أن نصدره للخارج لأن ذلك سيؤدي لا محالة إلي حرب بين الحضارات.
إذا ما قام كل منا بدلاً من ذلك بالنظر في المرآة والتأمل فيما ينبغي أن نفعله حتي نحدد علاقاتنا ببعض وبالحداثة فثمة أمل في تحقيق شيء ما. ولهذا فأنا لست معنياً بالحرب علي الأرض بل تعنيني حرب الأفكار.
بعد كل ما سلف، وبعد قراءتهم لإجاباتك، أظن أن قرائي يودون توجيه السؤال التالي لك: أنت بوضوح أكثر من مجرد كاتب عمود في النيويورك تايمز، فمن تمثل؟ هل هو تيار أم لوبي أم حزب سياسي؟
توماس فريدمان: حقيقة أنا لا أمثل إلا نفسي. من فضائل أن يكون المرء كاتب عمود في النيويورك تايمز هي ان تكون حرا تماماً، وفي أن تكتب ما تريد وهذا بالضبط ما أفعله أنا. لا أحد يطلب مني أن أكتب هذا أو ذاك، فالأمر كله بيدي. أحاول أن أستخدم الحرية المتاحة لي لأكتب عن العالم كما يبدو لي.
إذا ما أردت أن تعرف من أنا، وما هي سياستي، فأنا من غرب بيروت أو راس بيروتي بمعني أن الحياة التي استمتعت بها أكثر والتي أشعر فيها بالسعادة التامة هي الحياة متعددة الثقافات متعددة الأعراق متعددة الألسن، في عالم يتفاعل فيه المسلمون والمسيحيون واليهود بينما يحترم كل منهم عقيدة الآخر ويثري كل منهم الآخر بما يملكه من عقيدة وأفكار. لم أكن في يوم من الأيام أسعد ولا أكثر راحة من تلك الأيام التي عشتها في راس بيروت، كنت هناك مرتاحاً أكثر مما كنت مرتاحاً في القدس.
إذا ما سألتني: لقد جبت أطراف الدنيا، وقمت بمليون مهمة صحافية، فلو أتيحت لك الفرصة لتكرار واحدة منها فأي الأماكن ترغب في العودة إليه، وإلي أي الأماكن ترغب في العودة إليه بغرض الإقامة بعد كل هذه السنين، لقلت إلي راس بيروت لأن راس بيروت كان ـ وحتي في خضم الحرب الأهلية اللبنانية ـ أكثر انفتاحاً وأكثر تعددية وأكثر تسامحاً وأكثر إثراءً من أي مدينة عشت فيها حتي الآن. (عن "القدس العربي" اللندنية)
&
&
&