لاشك ان احداث‏11‏ سبتمبر الدامية مثلت فاجعة انسانية وسياسية بشعة كان لابد للولايات المتحدة ان تحشد قواها للرد علي مدلولين الاول ان عملية التفوق العسكري والحصانة الجغرافية ليست ضمانا أكيدا ضد المقاومة وثانيها ان الهيمنة السياسية والاستراتيجية والتي يستحيل معها المقاومة النظامية ستحفز المتظلمين المغالين الي اللجوء الي المقاومة غير النظامية وكلا الاعتبارين جعل من احداث‏11‏ سبتمبر ليس فقط جريمة انسانية بشعة بل تحديا سافرا لاسس القطبية الاحادية والعولمة التي يرتكز عليها النظام العالمي المعاصر‏.‏
ومن هنا كان الرد الامريكي في ظاهره يتخطي متطلبات اجتثاث جذور القوة الآثمة المعتدية‏,‏ مما ادي الي بلبلة في اذهان الاصدقاء والمعارضين فالرد هدف الي استعادة المصداقية لفاعلية ورسوخ مدلول التفوق العسكري والحصانة الجغرافية للقطبية الاحادية كركن أساسي من النظام العالمي المعاصر‏,‏ كما انه هدف الي توسيع دائرة الهيمنة السياسية والاستراتيجية ليحوي كل اشكال المقاومة النظامية وغير النظامية والمباشرة وغير المباشرة بمشاركة الزامية وتحت مسئولية كل الفاعليات الوطنية والدولية وترسيخ قواعدها بما يحمله ذلك من مدلولات دولية واقليمية وثنائية مغالي فيها‏.‏
ولم يكن غريبا ان يرتقي الارهاب بمدلوله المطاط والمغالط احيانا صنوا للهيمنة والسيطرة وسحب المشروعية من كل اشكال المقاومة الشرعية في ارجاء العالم وفي الشرق الاوسط والعالم الاسلامي علي وجه الخصوص
ولا شك ان هذا المنحي يمثل عقبة كئود اعلي الخصوص فيما يتعلق بمشاكل الشرق الاوسط ويمكن ان يؤدي الي تحد قاتل للاهداف والحقوق العربية وبالتالي للعدالة والاستقرار بمعاداة التوجه الامريكي وانعكاساتها علي السفاحين الصهاينة لكل اشكال المقاومة العربية فيه فإذا اضيف ذلك الي أوجه الخلل الاصيلة في معادلة القوي في المنطقة فان اعباء ومسئوليات الجانب العربي واعباء آخذة في التضاعف‏,‏ مما يستدعي التعامل الموضوعي والشجاع مع تضاعف عوامل الازمة مع استرجاع اسباب الازمة قبل انفلاتها‏.‏
فأكبر العقبات التي اعترضت تصفية المجابهة العربية الاسرائيلية هي تعارض غايات الاطراف المعنية تعارضا جذريا من التصفية المنشودة والمفارقة البالغة بين ملاءمة الواقع القائم لغايات اطراف دون الاخري والمفارقة البالغة في ميزان القوي الذي يدعم هذه الغايات لطرف علي حساب الاطراف الاخري‏.‏
فالتصفية المنشودة لاسرائيل لم تتغير منذ عهد بلفور هي اغتصاب الارض كل الارض وفرض السيطرة علي سكان الارض والجوار كل السيطرة‏.‏
ولان الحقائق الديموغرافية منعت اخلاء كل الارض من سكانها بل وتمنع وقف انفجار مابقي من اصحابها داخل الكيان وخارجه ليملأوا اركانها في المستقبل المنظور مهما تصاعد القتل والاغتيال فبقي تقطيع الاوصال ونشر قواعد الكبت والارهاب وحجز حقوق تقرير المصير والسيادة وفرض السيطرة العسكرية والاقتصادية ووأد المقاومة الي آخر الزمن اي اخلاء مالم يغتصب من كيان ما بقي من اصحابها واسرائيل لاتري سبيلا الي تأمين حلمها الصهيوني وتحقيق غاياتها الا بتحييد ارض الجوار العربي عسكريا وسياسيا اما بمعاهدات عندما تسمح الفرص العسكرية والسياسية واما بالاحتلال واما بالتحالف مع قوي عالمية ومحلية قادرة علي اثارة النزاعات وتفريق الصفوف وتقليص القدرات وكبت التيارات القومية والوطنية وتفرض انفصام المسارات العربية وتشل الشرعية الدولية والمشاركة الاجنبية واستدعاء الخصوم بداية بفرنسا اثناء ثورة الجزائر والولايات المتحدة منذ قرار التقسيم وهي في سبيل توفير هذه المساندة تضع علي راس غاياتها ان تكون قوة ارهاب وردع بالغة العنف ليس فقط لحساب اطماعها في الارض انما علي نفس الاهمية لخدمة الاغراض الاستراتيجية لاربابها وتبرهن علي فاعليتها في اداء هذا الدور منذ حرب‏1956‏ بالعدوان الثلاثي وتسارعها في لفظ الارباب المهزومين والارتماء في احضان الاقوياء المنتصرين ذوي المصالح والقدرات المتوازية معها والقادرين علي الدعم العسكري السياسي والاقتصادي بدون حدود والاحتواء العربي الي آخر الحدود‏.‏
و
الفلسطينيون المكبوتون بعد ان خذ لهم التامر الدولي والعجز العربي واقروا بفقدانهم لمعظم ارضهم بالاعتراف بحدود‏1967‏ ثم اقروا بتقليص حقوقهم السيادية والاقرار بالتسلط الاسرائيلي في مدريد واوسلو ورضوا باغفال الشرعية الدولة وسلموا القط الامريكي مفتاح الكرار لما بقي لهم من فتات لم يعودوا يملكون المزيد مما يتنازلون عنه او يفرطون فيه ولم يعد امامهم الاختيارات ان يكونوا او لايكونوا وان يبقي لهم كيان او يذري مع الرياح ما تبقي من اشلاء الكيان بان يسبقوا الشرعية علي امتداد الاغتصاب وتشتيت المطرودين وترسيخ تغلغل الارهاب والسيطرة من مستعمرات وقواعد والتجريد من كل قدرات الدفاع عن الكيان والمقاومة والتنازل عن كل مصادر التأييد الدولي والعربي والرضاء بالتنازل عن الحرية وحق تقرير المصير والاستعباد والسيطرة الاسرائيلية الي ما شاء السفاحون الصهاينة‏.‏
والاستراتيجية الامريكية ليس امامها افضل من الواقع القائم والذي وأدت القومية العربية شيطانها الامرد ورسخ السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية علي كل الدول العربية ورسخ الانفصال العربي وبدد الوحدة والتكامل العربي وعزل الشرعية الدولية وسائر الدول الكبري عن التأثير والمشاركة في المنطقة واقر بالتحالف والتواطي الاستراتيجي الاسرائيلي الامريكي وسلم باسلحة التهديد والعدوان والتدمير والاغتيال الاسرائيلي بدون حدود ومنع الحماية الدولية ومع ذلك فلا زال العرب يؤكدون انفراد امريكا بالفصل والتحكم وادارة او تعطيل مسار السلام وتأييد كل انقلاب وهمجية في الممارسات الاسرائيلية وخدمة اهداف الاستراتيجية الامريكية وكل هذا بتكلفة بضعة مليارات من المساعدة لاسرائيل دون تعرض ارواح والممتلكات الامريكية لاي خطر وبحراسة الحكومات العربية نفسها‏.‏
والحق يقال ان الغايات الاسرائيلية والامريكية لم تكن موضع ابهام وانكار من اي منهما علي مدي الزمن بل اكدوا وافصحوا واجهروا اشهارها ليس فقط بالاقوال علي اختلاف حكوماتهم واحزابهم ولكنهم صفقوا بافعالهم المتكررة الوعي العربي والعالمي بتكرار الافعال المستفزة والمتحدية من منطلق اقتناعهم بانعدام ارادة الرد العربي فيما عدا الشكوي والشجب والاحتجاج‏.‏
وبصرف النظر عن العدل والقانون والعرف الدولي وادعاء الصداقة وادعاء التفضيل بين حكومة امريكية او اسرائيلية واخري وسذاجة الصبر علي نتائج الانتخابات واستقرار الادارات والوعود المخدرة للوسطاء والمبعوثين فان اي دارس للعلوم الاستراتيجية لابد وان يعترف ان التحالف والتواطؤ الامريكي الاسرائيلي يمثل اكثرالادوات كفاءة واقلها تكلفة واكثرها دواما لتحقيق غاياتهما التي اوردناها اعلاه ومن ثم فليس هناك اخطاء في الحساب اوغفلة في التنفيذ يمكن للكياسة والبلاغة العربية علاجها‏.‏
والحكومات العربية تعي وتعلم حقائق الموقف وتدرك ان الخروج من الازمة لايخرج عن اختيارين لابديل لهما اما الاستسلام‏(‏ للسلام الاسرائيلي الامريكي واهدار كل الحقوق والاساسيات الفلسطينية والعربية ليس فقط علي كيان الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني ولكن علي نفس درجة الاهمية الامن والوحدة والمكانة والمصالح العربية جميعا واما تحمل مسئوليات واعباء وتضحيات رفع تكلفة التحالف الاستراتيجي الامريكي الاستراتيجي عليهما بما يفوق مكاسبه المؤكدة والحكومات العربية تعي وتفهم ان خيارها الي ذلك ليس الدخول في مواجهة عسكرية مع اسرائيل‏(‏ وبالتالي مع امريكا‏)‏ ولكنها تملك اليات فعالة بالجدية والمثابرة تحقق هذا الهدف‏.‏ فالقواعد العسكرية وتجارة السلاح وتريلونات الارصدة العربية والحسم في اعادة فاعلية دور الشرعية الدولية وسائر دول العالم المتقدم والتصدي الجماعي الحاسم لكل تعد وكل استفزاز باجراء عملي فعال تؤدي نفس الغرض ولكن بأعباء وثمن‏.‏
وقبل كل هذا اشراك واطلاق حرية الشعوب العربية في الدفاع عن حقوقها ومصالحها والمقاطعة ووقف التغلغل وصلابة ووحدة المواقف الجذرية وهي من اكثر المؤثرات فاعلية واوقعها علي السياسة الامريكية كما نبين من الاهتمام العالمي بالانتخابات الاسرائيلية واهمال العربية وغيرها عشرات اليات قادرة علي تقليص مردود التحالف الاستراتيجي ورفع قيمة وفاعلية الاختيار الفلسطيني والعربي للسلام الشامل والعادل وموازنة المنافع الامريكية من التحالف الاسرائيلي بالمنافع العربية الاوسع رقعة‏.‏
ان الشعب الفلسطيني باختلاف فئاته وفرقه وصل لقناعة ان هذا السلام له ثمن غال ورهيب من الارواح والدم والكبت والحصار والهدم وعلي مدي سنة اثبت انه قادر علي دفع هذا الثمن وادرك علي مشارف الحل النهائي انه ليس امامه اختيار اخر لأنه وصل الي المنعطف الحرج بين الوجود الفلسطيني والحلم الصهيوني والشعب الفلسطيني مع الدعم يمكنه علي الصعيد الفلسطيني تحقيق تعديل المعادلة بين مكاسب الواقع وخسائره للراعي الامريكي للاهداف الاسرائيلية ولليمين الاسرائيلي الاكثر تعصبا في العالم كله في حدود موقعه‏.‏
ولكن كلنا يعلم ان وصول الكفاح الفلسطيني الي هذا الهدف غير ممكن او مجد مالم تنزع مخالب التواطؤ والانحياز الامريكي ومحاولة القاء هذا العبء علي الفلسطينيين هي محاولة غير معقولة وغير امينة من واقع ان الصراع ليس في حقيقته اسرائيلي فلسطيني ولكنه اسرائيلي عربي يمس الكيان والمصالح العربية بقدر مايمس المصالح الفلسطينية ومالم تتحمل الحكومات العربية هذه المسئولية والعبء والمخاطرة فلا جدوي او فائدة من كل المسرحيات الجارية‏.‏
ان ساعة الصدق قد دقت منذ مدريد بالاعتراف العربي بالكيان الاسرائيلي بحدود‏1967‏ واشتغلت بمفاوضات الحل النهائي ولم يعد مهرب امام الحكومات العربية من تحمل مسئولياتها واعبائها او فض السامر مالم تؤهل نفسها لدفع ثمن السلام مهما كانت اعباؤه‏.‏
وفي تقديري انه حتي يتم التحرك العربي الجاد الحاسم فواجبهم وواجب القيادة الفلسطينية هو عدم الانزلاق الي اي تفريط جديد او اسباغ شبهة الشرعية علي اي من الاطماع الاسرائيلية والامريكية ولنترك الفرصة لاجيال اكثر جدية من الحكومات العربية واكثر صلابة من القيادات الشعبية العربية قادمة ان الاسرائيليين يعون تماما ان عجلة التاريخ لاتسير في غير اتجاه اطماعهم ومن ثم هم في عجلة لاستغلال الواقع غير المتوازن والعرب امامهم الصدي او فهم ملزمون علي الصمود مع هذه العجلة‏,‏ ان المجابهة في مرحلة حسم الحل النهائي هي مجابهة مصيرية وكل اطرافها تعبيء قدراتها لدفع ثمن غاياتها ومصالحها ولامهرب للعرب من مجابهة هذا العبء والمخاطرة اما مختارين قبل وقوع الواقعة واما مضطرين بعد ضياع الفرصة وعلي مدي المستقبل المنظور‏.‏
وليبدأوا باغفال وهمين قديمين فليس هناك راع للسلام العربي إلا العرب‏.‏ وللوبي الاسرائيلي مثلة مثل اللوبي البترولي والصناعي العسكري لايرسم السياسة الامريكية ولكنه يحسن استخدام توازي توجهاتها وتوجهات الاحزاب والكونجرس الامريكي مع اهدافه ومصالحه وفي النهاية ترسم المصالح الامريكية السياسية الامريكية ونحن اكثر قدرة علي خدمة هذه المصالح او الاضرار بها‏.‏
ومن الواضح ان تداعيات احداث سبتمبر وماادت اليه من تعمق توجهات النظام العالمي المعاصر لاتزيد من اعباء الجانب العربي فقط بل تزيد من الحاح التعامل مع المضاعفات قبل ضياع الفرصة‏.‏(الأهرام المصرية)