حسب استطلاع أخير تضاعف عدد المتفهمين للاسلام وسماحته في الولايات المتحدة رغم الوجبة اليومية الدسمة من الاخبار عن الفظائع المنسوبة للمتطرفين من المسلمين الذين فعلوا في داخل اميركا ما لم يجرؤ حتى الشيوعيون على فعل مثله في خمسين عاما. وفي نفس الوقت الذي تزايد فهم الاميركيين الايجابي تجاه الاسلام كدين فان نسبة الاساءات ضد افراد مسلمين في الولايات المتحدة زادت وفق تقارير منظمات متخصصة.
فكيف يمكن ان نفهم المؤشرين المتناقضين: تزايد التقدير للدين وتنامي الكراهية للمتدينين؟
هناك شخصان ارتبطا بالحدث وأثرا على الرأي العام وسلوكه، الأول جورج بوش والثاني اسامة بن لادن، اللذان عملا في نفس الفترة وفي اتجاهين متضادين. فقد سعى الرئيس بوش شخصيا الى تولي الدفاع عن الاسلام في كل المناسبات بشكل لم يسبق له مثيل، عبر عنه في خطب طويلة وتعليقات سريعة في خطب عشاء وخطابات للتلفزيون وأخرى في محطات الاذاعة. لقد فعل الرئيس بوش اكثر مما فعله حتى صاحب الشأن مثل رئيس رابطة العالم الاسلامي. وكلنا نعرف انه لم يفعلها حبا في الدعوة لدين آخر بل قام بها لسبب سياسي وجيه. فقد فطن بوش ان التنظيمات المتطرفة المعادية لبلاده تريد ان تؤلب الرأي العام المسلم بما فيه المسلم الأميركي ضد حكومته، وتريد تخريب العلاقة بين الأميركيين والمسلمين في كل مكان من العالم. وهذا يفسر اختيار تنظيم القاعدة اهم مدينتين في اميركا وأهم معالمها اهدافا للتدمير. تحمس الرئيس بوش للدفاع عن الاسلام الى ابعد مما كنا نتوقع منه وحرص على الفصل بين الاسلام والاسلاميين المتطرفين، وحتى عندما اسيء فهم تعبيره لكلمة "كروسيدر"، التي لا معنى دينيا لها في السياق العام في حين تعني في ذاكرة البعض منا بالصليبية، وعندما نما الى علمه عن سوء فهم الكلمة سارع الى المركز الاسلامي في واشنطن والتقى بقيادات اسلامية والقى كلمة توضيحية ولم يتردد فيها عن الاعتذار. وعلى نهجه سارت كثير من المدارس والمعاهد وتبعته وسائل الاعلام الأميركية تتحدث عن الاسلام بخطاب مليء بالاحترام لكنها بطبيعة الحال لم تتردد في القسوة على الاسلاميين المنتمين للحركات السياسية المعادية.
اما الشخصية الثانية فهي بن لادن، وتنظيم القاعدة عموما، الذي الحق ضررا بالغا بالمسلمين في كل مكان وتحديدا في الولايات المتحدة التي عرفت دائما بانها اكثر البلدان ترحيبا واكثر القوانين العالمية حماية للمهاجرين بمن فيهم المسلمون. فالاقوال والخطب التي ترجمت الى المحطات التلفزيونية المنسوبة الى بن لادن صدمت كثيرين من الناس هناك، خلفت عندهم جروحا نفسية وشكوكا كبيرة تجاه هؤلاء المنتسبين لفكر القاعدة، اي الذين يبدون متدينين وفقا لصور طالبان التلفزيونية من لحى طويلة ونساء محجبات ونحوها. فكانت هذه الفئة مميزة بالكراهية بسبب انتساب بن لادن اليها. هذا الضرر الذي خلقه بن لادن لم يخص الولايات المتحدة وحدها بل عم كل مكان من العالم غير الدول الاسلامية، بما فيها دول جنوب شرقي آسيا والصين واليابان واوروبا ودول الأميركيتين. غلب الاشمئزاز والاستنكار لما قيل وكتب بوضوح ضد هذا الاسلام السياسي الذي لا ذنب للاسلام العادي به.
بعد منافسة بوش وبن لادن في تحسين او تخريب صورة الاسلام لم يعد هناك بد من اصلاح صورة الاسلام بين غير المؤمنين به بل اصلاح صورته بين ابناء الاسلام انفسهم الذين تعرضوا لغسيل دماغ منظم كل السنوات الماضية من قبل فئة صورت للمسلمين ان دينهم يحثهم على الحرب والكراهية واعتبار العلاقة محكومة بالقطيعة لا بالاتصال. وعندما يفهم المسلمون دينهم الذي تعايش مع كل حضارات العالم الفا واربعمائة سنة نقل عنها ونقل اليها فقد يحين الدور على افهام الآخرين طبيعة الاسلام الذي نعرفه ونريد الناس ان تعرفه.(الشرق الأوسط اللندنية)