العنف الوطني الفلسطيني، بوجهيه الارهابي والمشروع، لا بد من مراجعته. وأرييل شارون، بالوحشية التي فيه كما بمناخ القسوة لما بعد 11 أيلول (سبتمبر)، يلعب دوراً في الدفع الي هذه المراجعة.
هذا العنف له تاريخه الذي يقسمه شطرين:
في الأول، تحكّم بالعمل الفلسطيني ضعف انطلاقه من الخارج: أي الوقوع في أسر الأنظمة، وكذلك الاصطدام بواقع الدول والمجتمعات. فالأخيرة بطنها خصب بعوامل الانقسام الأهلي التي تمنع تمتين نسيجها الوطني. وهذا ما جعل البندقية الفلسطينية تلعب أحد دورين: إما توسيع انشقاق السكان حولها، وتوفير عنصر تصديع للبلدان العربية لا عنصر تحرير لفلسطين. واما استحضار حروب ونزاعات اكبر من ان تتحمّلها البلدان المعنيّة.
التجارب كانت غنيّة: في 1956 انطلاق الفدائيين من غزة سبّب الحرب المصرية - الاسرائيلية التي استكملها الغزو الفرنسي - البريطاني. بعد ذاك وضعت الأمم المتحدة تسويتها التي أزالت النشاط الفدائي.
سورية بدأت، أواسط الستينات، ما أقلعت عنه مصر أواسط الخمسينات: دعوات حرب الشعب الطويلة الأمد ، والأعمال الفدائية عبر الحدود السورية، كانت من أسباب حرب 1976 وهزيمتها.
توقفت سورية وبدأ الأردن حيث الحدود الأطول والتجمع الفلسطيني الأكبر. الوجود المسلح هناك لم يفض الي حرب اقليمية، بل الي حرب اهلية اندلعت في 1970-1971 وتركت آثارها، ولا تزال، علي تركيبة الأردن.
توقف الأردن، بدأ لبنان: المسلمون والمسيحيون هنا حلوا محل الفلسطينيين والشرق أردنيين هناك. الحرب الأهلية - الاقليمية وجدت استئنافها في اجتياح 1982.
كل بلد عربي كان تقريباً يكرر حرفياً ما سبق ان فعله بلد آخر. وكل وجود فلسطيني في بلد ما كان يكرر ما فعله وجود فلسطيني في بلد ثانٍ. وبدورها كانت الشراسة الاسرائيلية واحدة لا تتغير.
الشطر الجديد من العمل الفلسطيني بدأ أواخر الثمانينات، حين لم يعد للوجود الفلسطيني المسلح، أرض. المسلحون باتوا في تونس. الأرض المتوافرة أرض مدنيّة لفلسطينيين مدنيين هم الذين بدأوا الانتفاضة الأولي: أهم ما فعلته الوطنية الفلسطينية طوال تاريخها. لم تتورط بالعنف. لم تورّط المجتمعات العربية. تعلمت من تجارب الانطلاق من البلدان المجاورة. كسبت الرأي العام الاسرائيلي. حققت انجازات فعلية تمثلت في مؤتمر مدريد وما تلا.
الانتفاضة الثانية جاءت انقلاباً علي الأولي وارتداداً الي نمط العمل السابق، مع فارقين: في فلسطين - اسرائيل، هذه المرة، لا في البلدان العربية. وبعد الحصول علي سلطة وطنية ولو مُعاقة وجزئية.
العنف، بالملموس، لا أمل له في التجربة الفلسطينية. نتائجه إما كوارث علي الفلسطينيين والعرب، كما الحال قبل الانتفاضة الأولي، أو علي الفلسطينيين وحدهم، كما بعد الانتفاضة الثانية.
11 أيلول أضافت الي هذه الدروس درساً جديداً: لا تمييز بين عنف وعنف. لا تناقضات يُعوّل عليها بين غرب و غرب . الموضوع صار من الجدية بحيث استحال التعويل علي دعم عربي (فيما مرتكبو 11 أيلول: عرب). الاجماع الكوني الجديد هو أن أية سلطة سياسية (حتي لو كان علي رأسها شارون) خير من أي مقاومة تتوسّل العنف. نكره ذلك لكنه... واقع.
هذه الحقائق لم تُرد حماس و الشعبية الانتباه اليها. وأغلب الظن أن شارون سرّه ذلك: فهو، الكاره لأوسلو، يجد فرصته لتقويض ما تبقّي منها. لعدم محاورة السلطة التي قبلها علي مضض. للمضي في محاورة الارهاب الفلسطيني لـ حماس و الشعبية ، مستفيداً من الميل الدولي الراهن الي التسامح مع الارهاب حين يكون رسمياً. وكذلك: للاطمئنان الي انهيار احتمالات المصالحة بين المطلب الوطني الفلسطيني والرأي العام الاسرائيلي.
قصاري القول ان الفلسطينيين اليوم امام خيارين: إما العنف ونهايته الانتحار. او النضال السلمي مع الرأي العام الاسرائيلي.
ضحايا الخيار الأول: الشعب الفلسطيني. ضحايا الخيار الثاني: حماس والشعبية، وعلي المدي الأبعد: شارون (الحياة اللندنية)