كتب علي الرز: بعد 11 سبتمبر، عاشت الولايات المتحدة شبح "الانثراكس"، وتميزت الأدلة بالعشوائية أيضا، ثم عاد الوضع الى الاستقرار من خلال "التعتيم" الذي فرض أو ربما "سياسة الافراج التدريجي للأدلة".
ما ان بدأت "الجمرة الخبيثة" تنتشر في بريد الأميركيين (وهم خبزهم اليومي) حتى سارع "صقور" الادارة الى اتهام العراق، معتبرين انه نجح في تصنيع هذه المادة مستفيدا من غياب فرق التفتيش، وذهب آخرون الى القول ان صدام حسين مغرم أساسا بالسلاح الكيماوي، ويعتبره المدخل الى النصر في حربه مع ايران وضد المعارضين الأكراد.
وبنى "صقور" الادارة الأميركية تحليلاتهم على ان العراق وراء الانثراكس "لأن الاصابات كلها جاءت من النوع الذي ينتشر في الهواء وهو نوع لا يمكن انتاجه الا في معامل متخصصة"، حسب ما نقلت جمعية "اوبزرفور" في 14-11/2001.
وأضاف هؤلاء ان صناعة الانثراكس "ليست صعبة لكنه يصبح فعالا فقط كسلاح بيولوجي اذا انتج بالحجم المناسب لدخول النظام التنفسي للأشخاص, اذا لم تستطع تصنيعه بحجم وزن يسمح بانتقاله عبر الهواء فليس هناك فائدة من انتاجه, هذا هو الجزء الصعب الذي يتطلب إمكانات دولة, معظم ذرات الانثراكس اما ثقيلة الوزن على الهواء ليحملها أو خفيفة جدا وصغيرة الحجم الى درجة انها لا تلتصق بالجسم من الداخل".
لكن البيت الأبيض نفى لاحقا ان تكون أصابع الاتهام موجهة الى العراق, ورغم ان الرئيس جورج بوش لم يستثن بن لادن من احتمال وقوفه وراء الجمرة، الا ان الاتهامات تلاحقت مركزة على احتمالات أميركية داخلية (تنظيمات يمينية أو علماء),,, ومع ذلك يرى مراقبون ان سياسة "تجميد الإعلان وتكثيف الأدلة" يمكن ان تكون سلاحا في مراحل لاحقة, فقد صدرت اشارة الى علاقة لمحمد عطا بالعراقيين من جهة، وعلاقة لمحمد عطا بالجمرة الخبيثة من جهة ثانية.
ويقول ريشارد سبيرتزل أحد مفتشي الأمم المتحدة سابقا في العراق لصحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 25/10/2001: "اذا توصل المحققون الى المفتاح الخاص بكيفية إعداد المادة التي وضعت في الرسالة التي أرسلت الى مكتب السيناتور توم داشل زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، فقد يقلص ذلك دائرة الاتهام, قد لا يسفر عن توجيه الاتهام الى جهة بعينها، لكنه سيؤدي الى تقليص الدائرة".
والى "الانثراكس" والعلاقة مع "القاعدة"، هناك ملفات تدرس الاستخبارات الأميركية التركيز عليهما في المرحلة المقبلة: ابو نضال وجبهة التحرير العربية، ودعم حركة "حماس".
وتعتقد الأجهزة الأميركية ان أبونضال موجود في العراق منذ طرده من ليبيا في أواسط التسعينات، وانه قد يكون جزءا من "القناة العراقية" في التعامل مع تنظيم "القاعدة"، اضافة الى الملفات المرتبطة بـ "فتح - المجلي الثوري" وكذلك المرتبطة بـ "جبهة التحرير العربية"، وهي الفصيل الفلسطيني الموالي للبعث العراقي.
أما بالنسبة الى "حماس" وهو الملف الوحيد الذي قد يثير تحفظات عربية واسلامية في شكل كبير، فيعتقد على نطاق كبير داخل الادارة الأميركية ان التطورات الأخيرة في الأراضي المحتلة، والانتقاد الذي تعرضت له الحركة من العرب والغربيين، ومفاعيل حرب أفغانستان والحملة ضد الارهاب,,, قد تؤدي الى التركيز على "حماس" في اتجاه تقييد حركتها وتفكيك جهازها العسكري.
وفي هذا الاطار، تقف أوساط عند إعلان الأردن قبل نحو شهر اكتشاف شاحنة مليئة بالمتفجرات واردة من العراق الى "حماس"، ويقول مسؤولون أمنيون أردنيون في مجالس خاصة ان شاحنة أخرى قادمة من العراق ضبطت أيضا قبل أيام في عمان، وتولت الأجهزة الأمنية معالجة موضوعها.
هذه "الأدلة" ضد العراق في ما يتعلق بالارهاب لا ترقى حتى الآن الا الى درجة "الاحتمال"، وهي انكفأت في شكل ملحوظ فيما تقدمت التصريحات السياسية المركزة على أسلحة الدمار الشامل وعودة المفتشين.
ونقلت "رويترز" عن شهرام شوبني مدير مركز جنيف للدراسات الأمنية في 11/11/2001 ان العراق "قد يكون بحث اللجوء الى الارهاب انتقاما من الضرب بعد حرب تحرير الكويت، الا ان الأدلة ضعيفة ولا توجد دلائل على قيام العراق بعمل جسيم رغم انه قد يكون أتى بشيء، لكننا لا نعلم".
الا ان مسؤولوا كبيرا في جهاز أمني عربي قال لـ "الرأي العام" ان "ما كان احتمالا قبل انتهاء حرب أفغانستان، قد لا يبقى كذلك بعد الحرب"، ويرى المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه ان التحقيقات مع عناصر وقياديين من "القاعدة" اعتقلوا في أفغانستان، ومع عناصر من تنظيمات أخرى يمكن ان يعتقلوا في عمليات خارج أفغانستان "قد تكشف علاقة ما بالعراق، وعندها ستصبح كل الاحتمالات التي سربتها الاستخبارات الأميركية أدلة حقيقية".(الرأي العام الكويتية)