شر البلية ما يضحك في هذا الظرف العصيب، اذ لم يعد يتحمل مشجب الشعب الفلسطيني تطلعات وطموحات بعض الزعماء العرب، وبالذات مزايداتهم.
لقد دعا الرئيس العراقي صدام حسين الى عقد قمة عربية في مدينة مكة المكرمة! وليس معروفاً البُعد الذي يتطلع اليه في اختياره مكة المكرمة، هل يرغب في "انقاذ" الشعب الفلسطيني ام "المزايدة" على الشعب السعودي؟ ام لرغبة في "التطهر" كما قال.
وكعادته في كل خطبه، اختار صدام حسين كلمات رنانة طنانة "يشهد لنا التاريخ والشعب اننا وقفناها متضامنين شعباً وحكومات ليحترمنا العالم بعد ان صار هو ومجالسه التمثيلية يستهين بالعرب". ليس معروفا ما اذا كان مقتل ممثل منظمة التحرير الفلسطينية عز الدين القلق في مكتبه في العاصمة الفرنسية يدخل في خانة شهادة التاريخ والشعب ووقفة العز ايضا، او ان ايواء ابو نضال في العراق للقيام باعمال "العز"، يدخل هو الآخر في هذه الخانة!
دائما يراهن صدام حسين على تسامح وخيبات الشعوب العربية. لكن ليس معروفا منْ بين العرب والمسلمين سيؤخذ، بعد، بالوعود المليئة بالكلمات الرنانة، بعدما رأى الجميع كيف هرب الطالبان وزعيمهم "الملا" عمر ولم يمض اسبوع على ابلاغه العالم بأن خطته المبطنة التي يجب ان ننتظرها، تشمل "تهديم اميركا"، او بعدما اختفى اسامة بن لادن واحلامه عن الابنية الشاهقة ورياضة الكاراتيه، تاركا وراءه العرب الذين صدقوه يقاتلون حتى استعرضهم الافغان، جرحى، منهكين، مكسورين...
نعم، يشهد العالم على الجيش العراقي المتألم بهزيمته والتائه في صحراء عودته الى بلاده وهو يسمع رئيسه يستعرض بطولاته في "ام المعارك"!
قال صدام حسين انه يرفض "أي فكرة لتجزئة قدرات ومواقف وعناوين قيادة شعب فلسطين وقيادات فصائله (...)"! من الذي يضع العصي في الدواليب ويعرقل على ياسر عرفات اتمام مهمته لانقاذ ما تبقى من آمال الدولة الفلسطينية؟ ثم كم قيادة هناك في العراق؟ ام بالاحرى هل هناك قيادة ام هناك قائد شخص، فرد؟
لقد امتطى صدام حسين حصان الانتفاضة منذ بدئها وامر بضخ الاموال لعائلات الفلسطينيين القتلى او الجرحى، فقط لكسب شعبية، عائلة القتيل تحصل على عشرة الاف دولار وعائلة الجريح على خمسة الاف، وتقوم بتوزيع اموال صدام "جبهة التحرير العربية" متجاوزة بذلك السلطة الفلسطينية. وقد اختصر ابو المعتز ـ احد قادة الجبهة ـ البعد الحقيقي لهذه المساعدات: "عدد كبير من الفلسطينيين عبر عن دعمه لصدام في وقت كل ما يريده هو ان يبقوا في بيوتهم"!
دائما كلما ضاقت العزلة على صدام حسين لجأ الى هذه المحاولات ليزيد من شعبيته في الشارع العربي، والفلسطيني بالذات، ولإسماع صوته عالمياً. ولن يكون مستغربا اذا سُيّرت المظاهرات في بغداد وسيهتف العراقيون بحياة رئيسهم، وكما المظاهرة التي سيّرت في بداية اكتوبر (تشرين الاول) لدعم الانتفاضة، سيأتي المسؤولون برعايا عرب يقيمون في العراق، من فلسطينيين واردنيين، وسودانيين وجنسيات عربية اخرى، ليهتفوا ضد اميركا (التي شن صدام حسين هجوما قويا عليها) وكي يحرقوا الاعلام الاميركية، وسيقول منظمو المظاهرة: انهم العرب الذين يعبرون عن غضبهم على اميركا.
ان هكذا نداءات، وآلاف الدولارات من صدام حسين، تترك اثرها لدى الشعب الفلسطيني اليائس، الذي فقد الامل بالتوصل الى حل سلمي لقضيته، لكن هذه النداءات يجب ان تكون دعوة الى السلطة الفلسطينية كي تتخلص من الفساد وتلتفت فعلا للاهتمام بمتطلبات العيش لشعبها.
العالم العربي والاسلامي لن يقبل ان تقصف اميركا العراق تحت ذريعة الحملة على الارهاب، وعلى صدام حسين ان يرضى بهذا الموقف وألا يعتبره فرصة له ليتزايد. شبعنا من المزايدات.(الشرق الأوسط اللندنية)