الذين يطالبون عرفات بالاستسلام لمطالب إسرائيل‏,‏ وتقديم مزيد من التنازلات بعد كل الإجراءات التي اتخذها ضد الفصائل الفلسطينية‏,‏ وقراره بوقف جميع العمليات العسكرية ضد إسرائيل‏,‏ وتهديداته بتوقيع عقوبات علي من يخالف هذا القرار‏..‏ سوف يفاجأون بعد فوات الأوان بأن شارون لن يتراجع عن تنفيذ خططه للقضاء علي السلطة الوطنية الفلسطينية‏,‏ ومحاولة التخلص من عرفات بعد الإجهاز عليه معنويا وسياسيا أمام شعبه‏..‏ تدعمه في ذلك ادارة الرئيس بوش‏,‏ وتقاعس الموقف الأوروبي المنقسم علي نفسه‏.‏
تستند هذه الحجج الانهزامية الي ان العالم بعد‏11‏ سبتمبر لم يعد كما كان عليه قبلها‏..‏ وكان علي الفلسطينيين ان يراعوا ما طرأ علي الأجواء العالمية من تحولات في ضوء الحملة الأمريكية ضد الإرهاب‏,‏ ومن ثم فقد كان محتما علي منظمات حماس والجهاد وغيرهما أن توقف نشاطهما‏..‏ حتي لا تستغل إسرائيل الفرصة‏,‏ وتعبيء الرأي العام العالمي ضد العمليات الاستشهادية التي أصابت أعدادا من المدنيين في إسرائيل‏.‏
وقد يكون هذا صحيحا بدرجة ما‏,‏ ولكن الثابت أن كل العمليات الاستشهادية التي وقعت كانت ردا علي عمليات إرهابية قامت بها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين الذين هدمت بيوتهم وقلعت زراعاتهم وخربت أراضيهم‏,‏ إلي جانب عمليات الاغتيالات المدبرة التي لم تتوقف حتي هذه اللحظة ضد رموز المقاومة‏,‏ وعمليات القصف العشوائي بنيران الطائرات والدبابات علي المدن والمنشآت‏.‏ وكان مما يثير الغضب الي درجة تفقد العقل‏,‏ أن تتغاضي الإدارة الأمريكية عن الممارسات الإرهابية لدولة إسرائيل‏,‏ بينما تقيم الدنيا ولا تقعدها ضد الفلسطينيين‏,‏ وهي علي استعداد دائما لاستخدام الفيتو في مجلس الأمن‏,‏ وإصدار قرارات الإدانة ضد عرفات والسلطة الوطنية‏,‏ ورفض وجود مراقبين دوليين‏.‏
ويجد الرئيس عرفات نفسه والسلطة الوطنية الآن في مأزق خطير‏,‏ لن تعينه في الخروج منه اجتماعات وزراء الخارجية العرب‏,‏ ولا دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة‏..‏ فالحكومات العربية مشغولة بنفسها عمن سواها في مواجهة ضغوط أمريكية لا قبل لها بها‏,‏ وكل النصائح التي قدمت لعرفات هي أن يستخدم مزيدا من العنف في مواجهة حماس والجهاد‏,‏ خوفا من الإعصار القادم باسم العدالة المطلقة في مكافحة الإرهاب‏,‏ والذي طال اليمن ويوشك أن يضرب الصومال وقد يصل إلي لبنان‏.‏
والمخرج الوحيد أمام عرفات وفصائل المقاومة الفلسطينية هو أن تتفق معا علي استراتيجية واحدة للمقاومة إذا استمر الوضع علي ما هو عليه أو للتفاوض إذا حدث انفراج‏,‏ ويشكل عرفات سلطة وطنية من جميع الفصائل تتحدث بلغة واقعية واحدة وموقف واحد ردا علي الأوضاع الراهنة ولا يشد فيه أحد عن الإجماع‏,‏ وباسم الشعب الفلسطيني يطلب عرفات من الحكومات العربية وقف اتصالاتها المباشرة بإسرائيل‏..‏ وبدء حركة عصيان مدني ومقاومة سلمية للاحتلال الإسرائيلي مهما تكن التضحيات‏..‏ بغير ذلك سوف تتفتت الوحدة الوطنية‏,‏ ولن يبقي عرفات في موقعه‏,‏ وسوف ينال شارون كل ما يحلم به‏!!.(الاهرام المصرية)‏