كنت في الأعياد أحزن لحسباني ان المعيدين في مطرح وصاحب الذكرى في مطرح. اليوم تسآلي نفسي مع من أنا معيّد بعد ثلاثة أيام؟ يجب ان يكون الجواب مع أولئك الذين يسوع الناصري يحبهم. هو مع كل أطفال الدنيا الذين لا يفهمون السياسة ولا يصنعونها. لذلك أفرح بالاولاد جميعا عندنا وفي كل شعوب الأرض بما فيها الثرية وتلك الأمة التي تقول في السياسة شيئا فيكون. الصغار المتسربلون الجديد في مدائن أميركا ويبتسمون للشجرة في بيوتهم ويكتب لهم ذووهم على الزجاج Merry Christmas دون ان يخطر ببالهم ان الكلمة الثانية فيها المسيح. انما هم أحبائي بسبب من طراوتهم مع ان البالغين قالوا لهم انهم مجندون في سبيل الحضارة. ويعسر عليهم ان يفهموا اليوم ان بلدهم يزرع الخوف في كل مكان وان هذا ليس من الطراوة التي كان عليها هذا المطروح في مذود البهائم في بيت لحم.
غير ان الأقربين الى هذا الطفل هم الملايين من أترابه الذين يعطشون ويجوعون في آسيا وما يشبهها والكثير منهم عيدوا في هذا الاسبوع للفطر ولكن لم تبلغهم جميعا الأكياس التي رماها لهم الذين يعيدون لميلاد السيد في قارة غنية.
أحب عيداً فرعياً يأتي في ظل الميلاد وهو عيد مقتل الأطفال الذين ذبحهم هيرودس عسى يبيد يسوع في حمام الدم. هؤلاء المقتولون هم اوائل شهدائه. واذاً الميلاد عيد دم ايضا. من هنا انه عيد الذين يقتلهم أكابر الأرض دفاعا عن "العدالة الكاملة". لماذا يجب ان تمر العدالة بالموت؟
من فترة قصية قتلت اسرائيل شابين فلسطينيين كنت القنهما مع رفاقهما في عمان السنة الماضية التعليم المسيحي في حلقة من الحلقات التي ننظمها للشباب الارثوذكسي من كل الشرق الأدنى بما فيه فلسطين التاريخية. كيف وقع هذان الصديقان لست أعلم. هل اكتملت العدالة بذبحهما لكونها، بطريقة أو باخرى، من الذين يريدون كرامة لبلادهم؟ انهما أرادا في العمق كرامة المسيح ومنه فهما كرامة شعبهما.
* * *
لماذا قتل هيرودس الأطفال؟ لأنه كان يخشى على نفسه من ملوكية هذا الصبي المولود في بيت لحم. فقد سجد له المجوس وقد يعلنه يوماً قومه ملكاً. لا يجوز ان يصير الفقراء ملوكاً. ويجب ان يبقى في الأرض جياع فإن زالت كل حاجة فكيف تحسن أنت الى المساكين؟ لولا هؤلاء كيف تفهم ان تكون الثروة بركة من العلاء تنفقها للحصول على الطيبات وبعد ذلك فتاتا لمن رضخ هو وآباؤه الى ان يقتاتوا دائما من الفتات؟ ربما كان الشقاء شهادة للذين يقتنون هذه الأرض. في الوقت نفسه تركب سياسة لقتل الآشقياء فتقوى الحاجة ويزيد انت برك وتستمر المعادلة.
ما سماه الإنجيل "العذاب الأبدي" في جهنم يسبقه عذاب تاريخي طويل طويل، جارح كثيراً، مضنٍ كثيراً. كيف يتمتم المظلومون الفردوس؟ أي فلسطيني واحد اقتنع ضده؟ ان دولة واحدة في الأرض مستنفرة في سبيله بحيث توظف كل قواها - ان حسبناه ارهابيا - ان جاره الأقرب هو أقوى منه إرهابا في العديد وفي العتاد وأفتك ولكن الأكذوبة الكبرى تقضي بأن يصنف الفلسطيني الفقير المقهور وحده في هذه البقعة من العالم إرهابيا.
ما يدعى اليه أقوياء العالم هو ان يتوسلوا فقراء الأرض غفرانا لهم وان يدخلوا مع أهل الثروة في مشاركة الثروة. المجوس ملوك المشرق لما رأوا الطفل "فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبا ولبانا ومراً". وقبل هذا "خروا وسجدوا له". واذا انتقلنا من هذا الى اليوم يعني مشهد العالم الحاضر ان الأقوياء لن يتزكوا ما لم يستغفروا الضعاف ويحاولوا رفعهم الى أعلى مستوى من الرقي والراحة.
* * *
غير ان المحرومين سيظلون كذلك ان أغرتهم القوة. لا يسقط القوي باستقواء الضعيف عليه. هذا خط آحمر. ولهذا كان الإرهابيون الفعليون، العدميون الذين لا يرضون رخاء للمسترخين على خطأ. لا يزال الشر بالشر ولا يباد السلاح بالسلاح ولا تنتقم من الذين قرروا الانتقام منك. ذلك ان الإرهابي الموصوف - ونحن لا نعرفه في لبنان - يخطىء حسابه اذ لا يعرف إرادة كسره عند الاشداء. قذيفة هنا وهناك او تفجير كبير او تفخيخ، هذه كلها تحرشات صغيرة تزيد الأعزة شراسة.
هذه ليست حرب الآنصار التي عرفناها في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الغربية في فترة الاحتلال النازي. هذه كانت تقنية ضمن الستراتيجية الحربية التي كانت الجيوش تقوم بها. أما الإرهاب "الحر"، الانفعالي غير المرتبط بأية دولة أو مقاومة وطنية شاملة فمكتوب له السحق. هو يقدم فرصة الغلبة لساحقيه.
ذلك ان السلام هو الغاية (وعلى الأرض السلام). والسلام تهيىء له بمئة أسلوب لا عنفي.
قلبي على فلسطين. أرجو لقادتها حكمة كبيرة الى جانب شجاعتهم وحماسة شعبهم المذهلة. رعاهم الله جميعا ورفع عن اكتافهم هذا الرعب العظيم الذي يغذى ضدهم كل يوم.
أرجو ان يحمل المسيحيون منا - في الذبيحة الإلهية - شعب فلسطين في هذا العيد. أرجو لأحبائنا هؤلاء المنتشرين بين بيت لحم والناصرة النعمة والبركات وان يقيمهم الرب في سلامه والعافية. انه سوف يعمر بآلامهم الشرق الجديد مع كل الذين يريدونه حراً طيباً مبدعاً. ان عيد الميلاد لعالم جديد يمر بالقدس أو لا يكون. عند ذاك ستعرف الانسانية الورعة ان الكبر سيبلغها بالتواضع واللطف الذي كان الناصري معلمه الكبير. (النهار اللبنانية)