كانت "نزهة" ارييل شارون التي قام بها عبر ساحة المسجد الاقصى في القدس تصاحبه الشرطة والجند المدججون بالسلاح، بمثابة خطوة استراتيجية مفيدة لحياة الجنرال المهنية، فبعد بداية الانتفاضة الثانية، التي كانت متوقعة كنتيجة لتصرف شارون، وصل الجنرال بسرعة الى موقع القيادة الذي كان يتحرق اليه منذ فشله في احتلال لبنان.
شارون الآن هو القائد المحبب لدى الشعب الذي يتسارع خوفه من التهديدات والكراهية التي يولدها ذاتيا، الشعب الذي يثق فقط باستخدام السلاح لوضع نهاية للتطرف الاسلامي.
باسم السلام والامن المبتعد تتقدم بلدوزرات العنف المكثف ضد الشعب الفلسطيني لأن الرجل المسؤول عن مذابح صبرا وشاتيلا قد اطلق آلية لا يمكن تسميتها بغير ارهاب الدولة، وعمق شارون نظام التفرقة العنصرية في المناطق المحتلة منذ حرب الايام الستة.
والتوسع المكثف في الاستيطان بفعل متدينين متطرفين من انصار اسرائيل الكبرى هو احدى السياسات المثيرة للعنف. وهناك ايضاً الهجمات الثأرية العنيفة والعقاب الجماعي ضد مدن بكاملها، وهجمات الدبابات والجنود على غيتوات غزة وغيرها من المدن الرئيسية في الضفة الغربية. كل ذلك يؤدي الى حلقات العنف وهجمات فلسطينية جديدة وردود اسرائيلية، مع الفوارق الشاسعة بين تأثير جيش حديث ومليشيا غير منظمة تحمل الكلاشينكوف.
بعد الحادي عشر من سبتمبر تحول صنع القرار السياسي الاسرائيلي الى انتاج سهل بيد العسكر. الديمقراطية الاسرائيلية التي وصفت منذ البداية بأنها الوحيدة في الشرق الاوسط، تحللت الى كتل قاتلة من الخيارات الحربية. شارون وانصاره من المتدينيين يُملون القرارات التي يرغبون بها، وينظرون للثأر العظيم، ويؤمنون لدرجة العبادة بمبدأ البقاء للأقوى.
عندما تحدث الرئيس جورج بوش تحت ضغط الظروف عن دولة فلسطينية (حتى يرضي الرأي العام في الدول الاسلامية اثناء الحرب الافغانية) ثار عليه شارون مدعيا التراجع الغربي عن دعم الدولة اليهودية، وشبه الوضع بتسليم تشيكوسلوفاكيا للنازية من دون قتال. ان حالة التخندق الفكري الخطيرة المنتشرة في المجتمع الاسرائيلي دفعت بشارون الى درجة عدم التفريق بين ياسر عرفات واسامة بن لادن.
يوصف الشعب الفلسطيني، من قبل بعض المتطرفين المنادين باسرائيل الكبرى، بأنهم "مستأجرون مؤقتون" في البلاد، ولهذا فإن العمليات العسكرية الاخيرة ضد الفلسطينيين تعمق الكراهية في مجتمعهم حيث لا يوجد من يضمن امنه، مجتمع يحرمه الاحتلال من حقوقه الاولية ويطبق عليه كل الوان الاهانة يومياً، ويحشره في معازل (باندوستان) من دون أي امل في المستقبل.
السلطة الفلسطينية هي الاخرى مسؤولة ولو بدرجة اقل عن هذا الوضع المتداخل من التدمير المادي والدمار الذاتي المعنوي. لقد تنازلت منظمة التحرير الفلسطينية عن مطالبها القصوى اثناء العقود السابقة، واستعاضت عن مطالب ازالة دولة اسرائيل باتفاقيات سلمية تميع القضايا المركزية. وزرعت المنظمة بذلك بذور الوضع المعقد الذي نعايشه اليوم. ولم يتبع عرفات في أي يوم الطريق الذي سلكه المهاتما غاندي او نيلسون مانديلا: شعارات عرفات ومقولاته الساخنة لم تترجم قط على الارض الى مبادرات مباشرة ومسؤوله، وهاهي اعماله تنقلب ضده. حكومته الميني في غزة كانت نموذجا حزينا للفساد والظلم، وبعيدة بسنوات ضوئية عن الوعود الديمقراطية التي تغنى بها عندما كان في فترة قيادة العالم الثالث.
شباب فلسطين مضطهدون ومضللون يتراكمون من دون امل في الغيتوات ومخيمات اللاجئين في ظروف اصعب من التي سادت في جنوب افريقيا قبل نهاية التمييز العنصري. وهكذا فأنهم يتمسكون اكثر فأكثر بالنهج الديني لحماس والجهاد الاسلامي، وهما صورة المرآة للاصولية الصهيونية الأرثوذكسية. هذا هو نصر شارون: كلما ساءت الاحوال، تحسنت.
عندما يتنازل التعقل وتحل بدله الافكار القتالية لديانتين متجابهتين، فإن السلام يكون مستحيلا. الرئيس الحالي للحكومة الاسرائيلية وانصاره، عملوا ليلاً ونهاراً لنفي التعقل وفرض منطق العين بالعين والسن بالسن.
وبغض النظر عن رؤية شارون، فأن القاعدة الوحيدة للسلام هي احترام القانون الدولي: تطبيق قراري الامم المتحدة 242 و338 يتطلب انسحاب اسرائيل من المناطق المحتلة عام 1967 (القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان) وتوقيع معاهدة سلام مدعمة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والدول العربية تضمن امن اسرائيل وبقاء ووجود دولة فلسطينية متكاملة.
وللحصول على السلام والحياة من دون كراهية وتشوق للانتقام، يجب الفصل بين اسرائيل وفلسطين. والتفاعل الحالي بين الغاصب والمغتصب لا ينتج سوى الكراهية ويمهد لإرهاب لن يستطيع شارون بغروره الأعمى أن يبصره.
* كارلوس فونتس احد اشهر الروائيين في اميركا اللاتينية. خوان جويتسولو كاتب اسباني معروف، وإدوارد سعيد أكاديمي فلسطيني واستاذ في الآداب والدراسات المقارنة في جامعة كولمبيا. خدمة "لوس أنجليس تايمز" ـ خاص بـ"الشرق الأوسط"
&
&
&