الشاعر مبارك وساط
&
رحيل
&
حين سالتْ على جبيني
دماءُ الغسق
اعترتني رعشةُ اللحظة العمياء
انْسَحبَتْ يداي
من طفولة الذهب
وبدأ وجهي يسافر، بلا كلل،
نحو مهابَ الألم.
&
هامش لصهيل فَنار
&
هنا، تحت أهدابكِ أيتها الريح، وأنت تفككين دواليب الظهيرة، وتنثرين المفاتيح على صدر الميت، حيثُ ينضجُ الصمت، ثم ينسلُّ ثخيناً الى خياشيمنا
تحت أهدابكِ، تخلَّصلنا من خُطانا الفائضة عمّا تُحبذه الطرقات، ومن الصدأ العالق بسجلات أنفاسنا. وَأَدْنا النغمات التي استخرجتنا من عويل العربات، وتَشَمَّلْنا بنَجيع الوقت. وان لم نحضرُ دفن آخر نهار قتيل،فان أفواهنا تركت هامشاً لصهيل فَنار يضيء طريقَ المراثي. لم نكن قط أدعياءَ ازاء مشاعر العنكبوت. نحصدُ سأم القمح، وبكوابيس الينبوع نغتسل. وليس بيننا من أوقع الضغينة في قلب الصبيحة التي مزّقت نسيجَ سُهادنا، نحن المُقْلعين عن معاقرة وسواس الخيول... واذا السنابك تجتث صفيرَ الحدائق. واللقالق تقضم لَحْم الدقائق. وأهدابنا تقذف شرار اللبلاب. ياما صادقنا السهول المتأنقة. يا ما تأوّد قدُّ الغواية في أروقتنا، بين مرايانا وخطايانا. وحتى حين بدأتْ فراشات نزقة تربي في آذاننا عواصفَ وليدة، نحن لم نيأس. نرى الى أرضنا الحيزبون، المعلقة من شَعر عانتها بأسلاكٍ لا مرئية، نتعلم منها الصبر
لكن، قولي لنا أيتها الريح الرؤوم
ما الذي سنفعله بكل هذي الفصول
التي بدأت تندلقُ، كثيفة،
من عيوننا؟
&
تاناتوس

&
طويلاً عشتُ كما
لو كنتُ نهراً يفكر في
الانتحار غرقا
كنت أقرعُ أجراس الفوضى في الطرقات
وأجلس الى موائد الدوار
في مقاهٍ
تؤمها البروق...
ثم وجدتني، ذات فجْر
بدا مبرقشا بأنينه
أرعى سِرْبَ كوابيس ورساء
في سهوب السُّهاد
وكنتُ من بين الفرسان
الذين نادموا ظلالهم
على قليل من الوسواس...
أمس مساءً، كانت
سحبٌ مشاكسة
تكسو رأسي
بسعال الأبالسة
وبعد أن تسللتُ خِلسةً
من بين أسنان الطقس
شَهَرتُ مزيدا من العواطف
على عنق الرّماد.
&
قَبْر
&
مرة أخرى، تبذرُ دمك في أرض مجدبة. تطفو على صفحة حياتك كقطرة زيت تائهة أو ككائن غريب لم يسبق ان رآه أحد. عواؤه غير المسموع يَصْبغُ الهواء بزرقة جنين وُجِد مرميا في القمامة ذات صباح شتائي (يمكنكم تصور ذلك بسهولة). التحريات في الموضوع أنهكت العذارى الراكضات في الأسواق وعلى ضفاف الأنهار التي تسافر الى مكان مجهول (ربما هو الجحيم). الخوذُ تترنح بين الكروم، تستقل القطارات، تستنطق الأجيال القادمة. المهم انهم لم يمنحوه- أي ذلك الكائن الغريب- أي اسم حتى الآن. لم يمنحوه ولو تلك الزهرة الكليلة التي تُجهش في مستنقع. ولو بريق الدودة التي تزحف ليلا في نخاعك. بينما تقتنص عينُك المفتوحة مغامرة في كل ثانية. ماذا يمكننا ان نضع على قبرك، ونحن لا نرى الا انعكاسه في المياه؟
&
العين

&
الكأس المترعة
بمِلْح الليل
تجرّّعْناها، أسرَعَ
قليلا
من الحمّى
&
ثمّ عَيْنُكِ التي تذرو
بارودا كثيفا
على ألوان كانَنْ
لعيني
&
ثمة أقمارٌ في فضاء بيتنا
تنبض
وتضخ دما
في شرايين الهواء
&
-"انهن كنّ قلوبا، تقولين
أيام كانت سنابل الحب
تصيخُ لهذيان الشمس..."

- "والان،
اذ سنرحل، فلتَعلمي
ان عيون المها
هن اللائي سيسعِفْنَنا
على الجسر،
الجسر الذي سنعبره
أعلى، قليلا، من الحمى"

- "لا تَنْس
ما دُمنا سنرحل
ان تأخذ السكاكين الذهب
فثمة في طريقنا
جبلٌ صامت
يكنزُ أنفاس العصافير
ويرمي المدْلجين العُزّل
بأعين الجرائم"
&
- "انظري
انها الببغاوات
المنبجسة من خطاك
تؤلف منظومة من خَرز
عن صعوبات الكلام"
&
الرقص أسهلُ حقا
لكن قلب الموسيقى
مثقل بملح الليل

والعازف؟
جاء أطبّاء
مختصون في العين
والكعْب والحنجرة
قيّدوه
بحبال
صوتية
&
قدماه تتدلّيان تتدلّيان
تنقبضان تنبسطان
انهما تُدَوْزنان
أوتار ريح الصَّبَا!
&

مختارات من دواوينه الثلاثة ( "محفوفا بأرخبيلات..." و"على درج المياه العميقة" و"راية الهواء") التي صدرت عن منشورات عكاظ، الرباط، ايلول (سبتمبر) 2001.
&
&