&
إيلاف: يتساءل العديد من المحللين الاقتصاديين عشية ليلة رأس السنة، إذا كان العام 2002 سيأتي حاملا معه أخبارا طيبة لبلد يرزح منذ عقد من الزمن تحت وطأة التباطؤ الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي.
على الرغم من رسوم العجز السلبية لهذا العام، يظهر تصميم رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري على اتخاذ كل التدابير اللازمة لإنقاص الدين العام المتصاعد. ومن بين التدابير التي تبنتها الحكومة الضريبة على القيمة المضافة، التي من المتوقع أن تجلب مبلغ 500 مليون دولار، وتخفض التبعية على إصدارات سندات اليورو. فضلا عن ذلك فالحريري استنفر كل موارده عام 2001 ليعكس صورة إيجابية لبلاده بعد هجمات 11 أيلول(سبتمبر) على أميركا، ونتج عن ذلك تقارير تشير إلى استثمارات عربية بإبداعات مصرفية مرتفعة في لبنان. وتعتقد الحكومة اللبنانية بأن الارتفاع في الاستثمارات الأجنبية في لبنان يسمح لوزارة المالية بأن تجمع عائدات أكثر من الضرائب. إلا أن الدين العام الذي يقلق كل الحكومات المتتالية يستمر بالارتفاع بشكل مخيف.
الحريري الذي يواجه مهمة مرعبة، تمكن في محاولته تخفيض الدين العام، من كسب الثقة الدولية، أقله خلال هذه الفترة، وذلك خلال التدابير السريعة التي اتخذها مثل ضريبة القيمة المضافة (في آي تي) والتخفيضات الحادة في موازنة الحكومة. كما أنه ضمن تعهدا من الاتحاد الأوروبي لتوقيع معاهدة الشراكة الأوروبية المتوسطية، الأمر الذي يدعم الثقة في رئاسة الحكومة. ويعلق الحريري الآمال على اتفاق مؤتمر باريس الثاني، الذي يؤمن قروضا مضمونة من البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى.
ولكن يتساءل المصرفيون والاقتصاديون: هل سيضطر الحريري أن يتبع خطى الأرجنتين ومصر، اللتان خفضتا قيمة عملتهما المحلية؟ ونتج عن هذه الخطوة ضوضاء شعبية أجبرت رئيس الأرجنتين على الاستقالة.
مع الخيارات الضيقة المتاحة أمام الحريري، بدت حكومته مضطرة للاستدانة من الأسواق العالمية للتمكن من تمويل الدين العام المتصاعد. ولكن إلى متى يمكن لهذه الحكومة الاستمرار بالاستدانة، والى متى يمكن لهذه المصارف الاستمرار بتسليف الخزينة؟
بالنظر إلى سجلات الحكومة اللبنانية في استدانة الأموال، يظهر بأن الخزينة أصدرت أكثر من 7.6 مليار دولار بسندات اليورو، مع معدل سعر الفائدة بنسبة 9.5 بالمائة، حيث يملك مصرف لبنان، المعرض لارتفاع حجم الدين العام يوما بعد آخر، حجم هذه الإصدارات. والى جانب سندات اليورو، لدى الحكومة اللبنانية حوالي العشرين مليار دولار من الدين المحلي، أغلبها بالليرة اللبنانية.
الا أن الرواية لا تقف عند هذا الحد، حيث أن الحكومة اللبنانية تخطط لإصدار حوالي 3 مليار دولار في سندات اليورو خلال العام 2002، الأمر الذي يشير إلى أن حجم الدين العام سيتخطى الثلاثين مليار دولار نهاية العام المقبل.
وستبدأ الحكومة بتنفيذ خطة الضريبة على القيمة المضافة ابتداءا من مطلع العام المقبل وتضع خططا لاقتطاع المصاريف من بعض الوزارات هادفة بذلك إلى تخفيض الاعتماد على سندات اليورو. إضافة إلى ذلك، تأمل الحكومة بأن تولد بعض الأموال من تلزيم شركات الهاتف الخليوي (الذي سيجري بأسلوب البي أو تي)، وخصخصة شركة الهاتف وقطاع الكهرباء.&
وترفض الجهات الرسمية الإعلان عن كمية الأموال التي ستحصل عليها من الخصخصة، إلا أن المحللين المستقلين يزعمون بأنه من الممكن أن يتولد عن عائدات الخصخصة بين ثلاثة وستة مليار دولار، بحسب شهية المستثمرين.
ويواجه الحريري في الوقت الحالي ضغوط متزايدة من المجتمعات الدولية ليجهز برنامجا لتخفيض الدين العام، حيث أفاد محلل بأنه "يتوجب على الحريري أن يضع نظاما واضحا خلال الأسابيع القليلة التالية إذا كان يريد من البنك الدولي والقوى الغربية أن تضمن للبنان قروضا جديدة".
تجدر الإشارة إلى أن الحريري كان يطالب بإلحاح من البنك الدولي وفرنسا ضمان القروض التي ينوي لبنان الحصول عليها في العام 2002، حيث ان قرضا من البنك الدولي ومن منظمات عالمية أخرى من الممكن أن يوفر على البلاد حوالي الـ300 مليون دولار سنويا.
عدل رئيس الحكومة لعقد اجتماع ثاني مع البنك الدولي والسلطات الغربية في باريس هذه السنة ليحصل منهم على دعم لجهوده في إنقاذ الميزانية. إلا أن بعض الاقتصاديين اعتقدوا بأن الحريري لن يحصل على دعم من الجماعات الدولية إذا لم يلتق مع الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي: خطة اقتصادية شاملة.
مع ذلك فالجهات الرسمية في الحكومة على ثقة بأن الخطوات السريعة التي تبنتها في مسودة الميزانية التي أعدتها للعام 2002 ستعكس مؤشرات إيجابية للأسواق العالمية. أضافوا بأن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اقتنعوا بالتدابير المتخذة حتى الآن، على الرغم من اعترافهم بأنه يجب فعل المزيد.
في آخر تقرير صادر حول لبنان، أوضح صندوق النقد الدولي أنه يتوجب على الحكومة إنشاء برنامج يعالج عجز الميزانية وينهض بالاقتصاد، كما أثنى التقرير على التدابير التي وضعتها الحكومة لتبدأ بتنفيذها منذ مطلع العام المقبل، إلا أنه نبه إلى انه وحتى لو نفذت الحكومة هذه الخطوات العام المقبل، تبقى نسبة الدين إلى إجمالي الإنتاج الوطني 172 بالمائة.
أظهرت مسودة الميزانية المعدة لعام 2002 والتي تنتظر موافقة مجلس النواب عليها عجزا بـ40 بالمائة مقارنة مع 50.8 بالمائة نهاية هذا العام. واعتبر المجلس التنفيذي التابع لصندوق النقد الدولي بأن الحالة الاقتصادية في لبنان تأزمت خلال الأعوام القليلة السابقة، حيث جمد النمو مما أدى إلى انخفاض إجمالي الناتج القومي.
ويذكر أنه منذ العام 2000، لينت الدعوى إلى مطالب نقدية وكذلك الدعاوى الموجهة ضد الحكومة، حيث التقت حاجات الحكومة الاقتصادية مع البنك المركزي.
لن يكتفي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمقاييس صغيرة على نحو الضريبة على القيمة المضافة، ويبدو ان وزارة المالية تعي حجم المشكلة، حيث أنها تخطط لاقطاعات حكومية أكبر في الانفاق العام دون أن تتسبب بمجادلات سياسية بين الأطراف المؤثرة.
(سمر عبد الملك عن "الدايلي ستار" اللبنانية)