&

ايلاف- &نبيل شرف الدين
لا يوجد مخلوق على وجه الأرض يحمل كل هذه الصفات المتباينة لحد التناقض أحياناً، من رئيس دولة فلسطين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي جميعها ألقاب يحملها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الشهير بلقب "أبو عمار"، وهي تعكس في الوقت ذاته مشوارا حافلا من العمل النضالي والسياسي، وأيضا تحولا في الفكر الاستراتيجي للرجل الذي حملته الغالبية الفلسطينية مسئولية تحقيق الاستقلال عن الدولة الإسرائيلية، وقد لاقت سياساته في سبيل تحقيق هذا الهدف جدلا واسعا داخل الفصائل الفلسطينية، حيث اعتبرها البعض خروجا عن مبادئه السابقة وتاريخه النضالي، فمن هو عرفات الذي تتهمه قوات الاحتلال الإسرائيلية بمساندة المقاومة المسلحة، والتقاعس عن مكافحة ما تسميه بالإرهاب، بينما تصفه عناصر فلسطينية أخرى بمحاولة إجهاض عمليات المقاومة الشعبية.
سيرة ذاتية
ولد محمد ياسر عبد الرؤوف القدوة الحسيني في الرابع من أغسطس/ آب 1929 بمدينة القدس بفلسطين لأب يعمل تاجرا للقماش وأم توفيت وهو في سن الخامسة من عمره. وبوفاتها انتقل عرفات للعيش مع خاله في القدس التي كانت خاضعة للاحتلال البريطاني في ذلك الحين. إلا أن بعض المصادر تؤكد أن عرفات قد ولد في القاهرة من واقع شهادة ميلاده وبالرغم من أن عرفات نفسه يصر على أن مكان مولده هو القدس وليس القاهرة.
وبعدها بأربع سنوات انتقل به والده إلى القاهرة، وقد تلقى محمد ياسر الشهير بعرفات تعليمه في القاهرة حيث حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة فؤاد الأول عام 1956, وكان قد قطع دراسته بها لينضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية في غزة لقتال اليهود الذين أعلنوا قيام الدولة الإسرائيلية في فلسطين عام 1948. ثم انضم إلى الجيش المصري ضمن ضباط الاحتياط وشارك في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وعندما سنحت له الفرصة عاد إلى الجامعة وأكمل دراسته
وقد احتفظ عرفات بخبر زواجه من سها الطويل سرا لمدة 15 شهرا كاملة إلا أن ذلك لم يكن بغريب عن شخصية عرفات الذي اشتهر بالتكتم حتى في حياته الخاصة، وانجب عرفات من السيدة سها طفلة أسمياها زهوة على اسم والدته.
عرفات المناضل
وعرف عن عرفات منذ مطلع شبابه ميله إلى الزعامة وهو ما يؤكده الذين اقتربوا منه في شبابه. وقد بدأت علاقة عرفات بالحركة الوطنية الفلسطينية منذ وقت مبكر وأثناء إقامته في القاهرة حيث كان يقوم بتهريب الأسلحة وهو في سن السابعة عشر إلى فلسطين لمحاربة البريطانيين واليهود, كما انضم إلى اتحاد طلاب فلسطين عام 1944 ثم تولى رئاسته في وقت لاحق.
وبمجرد تخرجه في كلية الهندسة، عمل عرفات لفترة وجيزة في القاهرة قبل انتقاله للعمل في الكويت حيث أنشأ هناك شركة خاصة للمقاولات إلا أن ذلك لم يمنعه من ممارسة العمل السياسي، وفي 1958 شارك في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" وكانت عبارة عن شبكة سرية وفي عام 1959, بدأ في نشر مجلة تتبنى الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وفي نهاية عام 1964, غادر عرفات الكويت ليتفرغ بالكامل للعمل الثوري والتخطيط لشن غارات على إسرائيل من الأردن. وفي نفس هذا العام , تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية تحت إشراف جامعة الدول العربية لتضم في عضويتها عددا من الفصائل الفلسطينية التي تهدف إلى تحرير الأراضي الفلسطينية. وفي عام 1968 أصبح عرفات الناطق الرسمي باسم فتح وبعدها بعام أنتخب رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن تحولت فتح إلى أقوى الفصائل الفلسطينية, ثم قائدا عاما لقوات الثورة الفلسطينية عام 1973.
وطبقا لبعض الأقاويل, فأن عرفات قد حرص على جمع خيوط فتح في يديه مستخدما الرشاوى في بعض الأحيان إلا أن ذلك لا ينفي عن الرجل الفضل في وضع القضية الفلسطينية أمام الرأي العام العالمي.
&
دولة داخل دولة
وقد أدار عرفات كفاحه المسلح في تلك الأثناء من الأردن وزادت قوة منظمة التحرير الفلسطينية مع الوقت حتى تحولت إلى دولة داخل الدولة الأردنية حيث كانت تمتلك قوات مسلحة خاصة بها. وقد تطورت الأحداث مما دفع العاهل الأردني الراحل الملك حسين لطرد المنظمة. وقد حاول عرفات الانتقال بالمنظمة إلى لبنان إلا أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان حال دون ذلك مما أضطره أخيرا للانتقال إلى تونس.
ومن المثير للدهشة أن عرفات قد نجا من الموت المحقق عدة مرات حيث نجا من حادث تحطم طائرة ومن محاولات الاغتيال العديدة على يد المخابرات الإسرائيلية كما شفي من أزمة صحية خطيرة ألمت به.
الكفاح المسلح
وتحت قيادة عرفات، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية الكفاح المسلح والعمليات الخطيرة مثل خطف الطائرات وغيرها من الأعمال التي قد يدرجها البعض تحت بند أعمال العنف.
وكان عرفات يقود في الغالب تلك العمليات ضد الإسرائيليين كما أظهر شجاعة غير عادية عندما كان ظهره للحائط في أحداث مثل الكرامة في إسرائيل عام 1968، وأحداث سبتمبر في الأردن 1970، وحصار بيروت في 1982.
عرفات والتحول
وفي عام 1988، فاجأ عرفات العالم عندما أعلن أمام جلسة خاصة للأمم المتحدة في جنيف نبذ منظمة التحرير الفلسطينية للإرهاب وتأكيده على حق جميع الأطراف في الشرق الأوسط في العيش في سلام وأمن بما في ذلك " دولة فلسطين وإسرائيل وغيرها من دول الجوار."
وقد ظل عرفات يبحث للشعب الفلسطيني على الاستقلال. وتقول شبكة بي بي سي البريطانية في موقعها على الإنترنت أن عرفات لجأ إلى التهديد والوعيد للتأكيد على أنه الزعيم الأوحد. إلا انه ارتكب خطأ فادحا، وما زال يدفع ثمنه حتى الآن، عندما ساند الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 حيث فقد المساعدات التي كان يحصل عليها من دول الخليج العربي وبذلك وجدت المنظمة نفسها بلا مورد ولا سند.
عرفات ونوبل&&
في أكتوبر/ تشرين أول 1994 تقاسم عرفات جائزة نوبل للسلام مع شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي واسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. وجاء في نص البيان الصحفي الذي أصدرته لجنة نوبل بالنرويج أن اللجنة قررت منح جائزتها للسلم عن هذا العام للثلاثة لجهودهم في خلق السلام في الشرق الأوسط وهي العملية التي تعثرت منذ ذلك التاريخ وحتى الآن-
وجاء في البيان أيضا أن اتفاقيات أوسلو قد وضعت حدا لسنوات طوال من الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي.
رجل الأوسمة
حصل عرفات على العديد من الجوائز والأوسمة
وسام جوليت كوري الذهبي- مجلس السلم العالمي في 1979
دكتوراه فخرية من الجامعة الإسلامية في حيدر آباد بالهند عام 1981
دكتوراه من جامعة جوبا في السودان
جائزة فليكس بوانييه للسلام في يوليو/ تموز 1994
جائزة نوبل للسلام في أكتوبر/ تشرين أول 1994
جائزة الأمير أستورياس في أسبانيا في نوفمبر/ تشرين ثاني في 1994
دكتوراه فخرية من كلية ماستريخت للأعمال والإدارة في هولندا 1999