بيروت ـ من وسام ابو حرفوش: بدت بيروت على موعد مع "تراشق" من نوع جديد عنوانه الموقف من انعقاد القمة العربية المقررة في مارس المقبل في العاصمة اللبنانية, ففي حين اصر رئيس البرلمان نبيه بري على موقفه "الشخصي" الداعي إلى إرجائها، قال وزير الاعلام غازي العريضي ان موقف بري وجهة نظر لا علاقة لها بالموقف الرسمي اللبناني والتزاماته.
وتنشط في هذا الوقت الاتصالات الديبلوماسية لملاقاة التطورات العاصفة في المنطقة والاستحقاقات التي تفرض على لبنان، كمطالبته بتفكيك البنية العسكرية لـ "حزب الله", ويتلقى الرئيس اللبناني العماد اميل لحود، في هذا المجال، رسالة من نظيره الايراني محمد خاتمي ينقلها اليه اليوم مساعد وزير الخارجية محمد الصدر،إضافة إلى المشاورات الهاتفية التي اجراها وزير الخارجية اللبناني محمود حمود مع نظيره الاردني عبد الاله الخطيب والامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
وتواكب بيروت هذه الاهتمامات بحركة داخلية، الابرز فيها كانت الخلوة التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي بين لحود والبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، والاجتماع "الاستثنائي" الذي يعقده اليوم "لقاء قرنة شهوان"، و"حزب الله" وكلها محطات تتناول الاخطار الزاحفة في اتجاه لبنان من بوابتي الانهيار الاقتصادي ومكافحة الارهاب.
فرغم الجمود السياسي المسيطر على الأوضاع الداخلية في لبنان والذي فرضته عطلة الأعياد منذ ثلاثة اسابيع تقريباً، فإن محورين رئيسيين يبدوان هاجس الاهتمامات السياسية والرسمية وينتظر ان يبرزا بقوة إلى الاضواء بعد مطلع السنة الجديدة وهما الوضع الاقتصادي المتفاقم والمضاعفات التي يرتبها الوضع الفلسطيني على لبنان.
ويبدو ان هذين الموضوعين كانا في صلب خلوة لحود ــ صفير التي طرح خلالها صفير مخاوفه من الوضع الاقتصادي وما يجره من تفاقم للهجرة, ومن تحميل لبنان تبعة "إيواء الإرهاب" على ارضه وهو لا يملك الحل والربط في كل أموره موحياً بذلك ان القرار ليس في يده حتى ما يعود إلى وضع "حزب الله" ومستقبله الذي تضغط الولايات المتحدة على لبنان لتفكيك بنيته العسكرية, وكذلك ابدى مخاوفه من انعكاسات التصعيد الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية وما يمكن ان ينعكس على لبنان من جراء ذلك كمثل ان يُرغم الفلسطينيون أو اعداد منهم على النزوح نحو الجوار ومن بين الدول الأقرب لبنان فضلاً عن الاردن.
وثمة موضوع آخر اثاره صفير هو قضية المعتقلين والسجناء السياسيين الذين اوقفوا بعد احداث 7 اغسطس الماضي ومن بينهم عضو "لقاء قرنة شهوان" توفيق الهندي والصحافي حبيب يونس، علماً ان موضوع الحريات السياسية غالباً ما يشكل المادة الحساسة الرئيسية في لقاءات لحود مع البطريرك الماروني.
ومع ان هذا اللقاء ادرج في اطار مواصلة الحوار بين لحود وصفير وانه اتسم باجواء ايجابية، فان القريبين من بكركي لا يعكسون ارتياح سيدها إلى مجمل الاوضاع بل انهم يعكسون نوعاً من التمييز بين هذا الحوار ومواقف صفير من التطورات بمعنى ان صفير لا يريد تعكير الحوار مع لحود ولكنه في الوقت نفسه يبدي اقتناعاً بعجز المسؤولين عن امور كثيرة ومعالجات جذرية كان يمكن مطالبتهم بها لو كان قرارهم حيالها كاملاً ومستقلاً, وهذا الأمر يتعلق بموقف صفير من الوجود السوري الذي عاود انتقاده في رسالة الميلاد الأخيرة والذي من شأنه ان يشجع قوى المعارضة المسيحية على معاودة اطلاق مواقفهم من هذا الوجود في حين يُحمل لبنان تبعة تفكيك البنية العسكرية لـ "حزب الله".
ويبدو ان لحود سعى لدى صفير إلى وضعه في معطيات الدولة في هذا الشأن لئلا تنطلق حملة سياسية واسعة متأثرة بمواقف صفير من شأنها ان تعيد الاضطراب الداخلي او الاضطراب مع سورية في لحظة دولية وداخلية حرجة للغاية,
ويرجح ان يكون لحود قد اطلع صفير على مجريات المحادثات التي يجريها لبنان مع المسؤولين الأميركيين عبر السفير الأميركي في بيروت وينتظر في هذا المجال ان يشكل رد فعل مجلس الأمن على الأجوبة التي ارسلها لبنان حول القرار 1373 اول اختبار حساس وملموس لمدى تقبل مجلس الأمن ومن خلفه اميركـا المنطق اللبناني والمفهوم اللبناني للإرهاب الذي يميزه عن المقاومة, ولذلك فان مطلع يناير المقبل يعتبر محطة مهمة للبنان سواء بالنسبة إلى هذا الأمر أو بالنسبة إلى مواقف الدول من اوضاعه الاقتصادية اذ يجمع السياسيون والرسميون على الاعتقاد ان حلقة الضغط الدولية متكاملة ومترابطة، وهذا ما يخيف لبنان بالنسبة إلى ازمته الاقتصادية في حين يُطلب منه نزع ورقة المقاومة نهائياً من يده.
أما في السياق المرتبط بالبيان المرتقب صدوره اليوم عن الاجتماع الاستثنائي لـ "قرنة شهوان"، فعلمت "الرأي العام" ان الاتصالات نجحت في صرف نظر اللقاء عن اطلاق الدعوة إلى وقف المقاومة، والاكتفاء بالمطالبة بإرسال الجيش إلى الجنوب.
واشارت المعلومات إلى ان اللقاء يتجه إلى رفع سقف مواقفه في قضيتين هما الاعتقال السياسي لعضو اللقاء توفيق الهندي والانهيار الاقتصادي ــ المالي الذي تجاوز الخطوط الحمر مما قد يؤدي إلى تعطيل القدرة المالية للدولة.
أما على مستوى "التراشق" المستجد حول الموقف من انعقاد القمة العربية في مارس في بيروت، فإن الرئيس بري عاود تظهير موقفه الداعي إلى ارجاء القمة، بعدما التقى امس الرئيس لحود واطلعه على نتائج اجتماعه قبل نحو اسبوع إلى الرئيس السوري بشار الاسد.
ورأى بري ان دعوته إلى ارجاء القمة ترتبط بشكل مباشر بالمصلحة القومية العليا وبمتقضيات الامن القومي العربي,
واعتبر انه"من المفارقات المؤلمة ان القمة العربية المطلوب منها تكريس الامر الواقع الإسرائيلي واستلحاق نعي الإنتفاضة بنعي المقاومة، تعقد في لبنان، البلد العربي الوحيد الذي سجل انتصاراً تاريخياً مشهوداً على الاحتلال الإسرائيلي وحرر الارض واعاد العزة والكرامة للعرب جميعاً".
وابدى خشيته في حال الاصرار على عقد القمة في هذه الاجواء من الحاق مصير مزارع شبعا بالقرار 242 وما يستتبع ذلك من اخطار.
إلا ان وزير الاعلام غازي العريضي اعلن امس ان القمة العربية ستعقد في موعدها المحدد في 25 و 26 مارس المقبل في بيروت.(الرأي العام الكويتية)