&
إيلاف: نبيل شرف الدين: بعد مرور أكثر من مائة يوم علي اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر)، لا يزال الكثير من المسلمين الاميركيين يعيشون هاجس الخوف من عواقبها التي دفعت الي ارتكاب جرائم عنصرية، بالاضافة الي اعتماد السلطات موقفا يسوده الشك والارتياب في كثير من الاحيان.
عقدت لجنة التشريع بمجلس الشيوخ الأميركي جلسة استماع الأسبوع الماضي بشأن الإجراءات التي تتخذها حكومة الرئيس بوش ضد الإرهاب، بما في ذلك اعتقال المئات من العرب والمسلمين، وقد دافع وزير العدل الأميركي عن هذه الإجراءات، قائلاً أنه قد تم اتخاذها لاستهداف المشتبه في أنهم إرهابيون، غير أن هذا يبدو للكثيرين تفرقة عنصرية، وهناك شيء أكيد: ليس سهلاً أن تكون اميركياً مسلماً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ففي ولاية كاليفورنيا وحدها التي يعيش فيها حوالي 500 الف مسلم سجل حصول 274 اعتداء علي الاقل ضد عرب ومسلمين خلال ثلاثة اشهر في حين ان عدد هذه الحوادث كان لا يتجاوز الخمسة طوال سنة 2000 كما اعلن وزير العدل في هذه الولاية. وارتفع عدد الجرائم العنصرية الي 92 منذ 11 ايلول (سبتمبر) بدلا من 12 طوال سنة 2000 كما اعلنت دائرة العلاقات الانسانية في مقاطعة لوس انجلوس.
وتقول إليزابيث عبد ربه، التي تعيش مع عائلتها الأميركية المسلمة بين موجة الشك الكريهة بعد أحداث سبتمبر: "إنهم مجرمون، إنهم حيوانات، وليسوا مسلمين، ليس لك أن تدعي أنك مسلم وترتكب هذه الأعمال الشريرة ليقع الأبرياء ضحايا، إن الحيوان نفسه لا يستطيع أن يقوم بذلك." وكانت عبد ربه في مدرسة ثانوية في ديربورن بميشجان لتشجع ابنها عمر الذي يبلغ من العمر 8 سنوات في تصفيات كرة القدم. وقد اعتادت العائلة بكاملها أن تحضر كل مباراة، وهم يجلسون في المدرجات كما يجلسون في المنزل إلا أنهم يقولون أنهم في أميركا لا يحسون بالراحة كما كان في السابق، إنهم يعرفون أنه في مكان ما يتساءل بعض الأميركيين ما إذا كانوا أصدقاء أو أعداء، وتقول إليزابيث: "ليس كل عربي إرهابي"
الحجاب والإرهاب
وقد دعت إليزابيث أسرة برنامج "Dateline NBC" للعشاء في منزلها، وتركز الحديث على وضع المسلمين الذين يعيشون تحت الميكروسكوب في أميركا هذه الأيام، وتقول الابنة فاتنة أن أمها طلبت منها أن تبقى بالمنزل لأن أبواها خائفين على سلامتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكانت تريد الذهاب للمدرسة إلا أنهم أصروا على أن تبقى في المنزل، وقد رفضت هذه الطفلة أن تخلع حجابها، وقالت: إن خلع الحجاب سيكون في صالح الجهل، لن يساعد أحداً، سيرضيهم فقط" ويقول محمد: "لدي إخلاص لا يتزعزع لأميركا، إلا أنه من المؤذي أن تعرف أن هؤلاء الناس الذين لم يكونوا يشكون في ذلك من قبل لديهم اتجاه مختلف الآن." ويقلق محمد، المحامي الذي يفتخر بأنه من أصل عربي، أن أكثر من ألف رجل - أغلبيتهم من الشرق الأوسط ـ احتجزتهم السلطات الأميركية، وهناك أكثر من 20 من موكليه تم استدعاؤهم للتحقيقات، ويقول محمد أن صديقاً من أصول أفريقية من أيام الكلية يلخص هذا فيقول: "أريد أن أقول لك شيئاً.. أهلاً بك في الصفوف الأمامية".
وتقول إيفون حداد، أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة جورج تاون: "سيتم استجوابهم كل يوم، لأنه مهما قالوا، سيقول الناس: نعم، لقد قتلتم خمسة آلاف شخص"، وتضيف: "إن المسلمين الأميركيين سيعيشون أياما يضطرون فيها للدفاع عن أنفسهم، سيتم مراقبتهم، وسيتم إجبارهم على أن يكونوا أكثر أمركة، هذه أميركا إما أن تحبوها أو ترحلوا"، ومع أن معظم المسلمين الأميركيين يعترضون على إجراءات الفحص المفاجئة، فإن رجل دين مشهور لا يرى ذلك.
الشيخ قباني
في الرابع عشر من سبتمبر الماضي كان الشيخ محمد قباني راجعا من وشنطن إلى بيته في ميشجان حيث كان مدعواً في الكاتدرائية الوطنية. وعلى منطقة عبور في بنسلفانيا، استوقفه رجل بوليس لأن سائقا على الطريق ارتاب فيه. ولدهشة الجميع لم تثر تلك الحادثة الشيخ محمد. ولم يمانع أن يستوقفه رجل البوليس ويسأله بعض الأسئلة. يقول الشيخ قباني: "إذا كانوا يريدون أن يتحروا عني فليفعلوا. إنهم لا يستطيعون القبض علي. إن الموضوع لا يثيرني لأنني ـ مثل الكثيرين من الأميركيين ـ ليس لدي ما أخفيه." ويؤمن الشيخ قباني بأن هناك سبباً للتدقيق في المجتمع المسلم في أميركا، وقد أخبر قباني وزارة الخارجية الأميركية أن هناك خمسة آلاف انتحاري تم تدريبهم بواسطة بن لادن ومن الممكن أن ينتقلوا لأي مكان في العالم ويفجروا أنفسهم، علماً بأن قباني لم يصدر هذا التحذير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد أصدره قبل حوالي ثلاثة سنوات، وهو يؤمن أنه يكتسب أهمية أكبر الآن. وقال قباني في ذلك الوقت أن العدو في الخارج والداخل وفي بعض المساجد أيضاً. وقد ادعى أنهم يجهزون أرضية تنبت فيها الآراء الإرهابية وقد تقود إلى العنف. وقال أيضاً أنه سمع بعض الشيوخ في أميركا يخطبون خطباً محمومة مليئة بالشعارات المعادية لأميركا والعبارات الغاضبة التي لا يمكن أن يرددوها خارج المسجد، وأضاف: "أنا متأكد أن المروجين لهذه الشعارات لا يزالون في أميركا" إلا أن الكثير من المنظمات الإسلامية الأميركية تصور قباني على أنه يثير المخاوف ويرون أن اتهاماته غير مبررة ومفرطة وقالوا أنه لم يستطع أن يفرق بين الخطب العدائية والنقد السياسي لأميركا.
نقد أميركا
ولكن هل من الممكن أن تكون ناقداً لأميركا من غير أن يعتبروك مساندا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية؟ يقول قباني: "تستطيع أن تنقد أي شيء. ولكن لا يصح أن تكون ناقداً وأنت تخفي في داخل مجتمعك - في مسجدك أو في مركزك الإسلامي - مختطفين أو انتحاريين أو متطرفين." ويقول قباني أن معظم المساجد الأميركية التي زارها كانت معرضة لما سماه "الآراء المتطرفة". ويرى أن الوقت قد حان لبذل الجهد لاقتلاع ذلك الإرهاب. ومن الطبيعي أن يلحق ضرر ببعض المسلمين الأميركيين الأبرياء. وهذا ما حدث مع بعض العائلات الأميركية المسلمة في الولايات المتحدة بمن فيهم عائلة عبد ربه، تقول إليزابيث: "أنا لست مسئولة لمجرد أنني مسلمة." وتشعر عائلتها بالاستياء أن مجرد النقد البناء للسياسة الأميركية نحو الشرق الأوسط يتم تفسيرها خطأ على أنها مساندة للإرهاب. ويقول بوب، أبو فاتنة: "نحن كلنا اميركيون. وأكرر دائما إننا نحب أميركا، ونحب أن ندافع عن هذا البلد حتى النهاية." ولكن هل يوافق الأبناء محمد وعلي وعمر على المشاركة في الحرب خارج أمريكا إذا طلب منهم ذلك؟ يقول عمر: "بالتأكيد نوافق." ويقول علي: "نعم سأقاتل من أجل أميركا" ويقول محمد: "وخاصة ضد الإرهاب." وتقول الأم: "عليهم أن يخدموا في الجيش. إنه واجب عليهم."
وإذا كانت عائلة عبد ربه أحست بالضيق من أننا نرتاب في وطنيتهم، فإنهم كانوا مؤدبين بما فيه الكفاية وهم يعبرون عن ذلك. أما بشأن من لا يزالون يتشككون في توجههم تجاه من دبر مجزرة الحادي عشر من سبتمبر فإن محمد يقول: "إذا كان لي أن أقول شيئاً واحداً لأسامة بن لادن فسأقول: أنا مسلم ولا أؤيدك.. أنت تعتبر نفسك مسلماً، إلا أنك لست كذلك."