‏1‏ ــ بعد ساعات معدودة‏,‏ يسقط عام من أعمارنا في بئر الزمن‏,‏ ولكن آثار الأحداث التي وقعت خلاله ستظل تلازمنا لسنوات طويلة مقبلة‏,‏ وقلما يدرك المرء خطورة الأحداث إلا بعد وقوعها بوقت كاف‏,‏ وقد جاءت كلها دفعة واحدة‏,‏ وسقطت علي رءوس الجميع وكأن مقدماتها لم تكن مرسومة علي الحائط أو معلقة في الأفق تنتظر اللحظة المناسبة‏,‏ وحين جاءت‏,‏ هبت علي العالم كله مثل إعصار مدمر‏,‏ اقتلع في طريقه كثيرا من الأوتاد الثابتة‏,‏ والأعراف المستقرة‏,‏ والأوضاع الدولية‏....‏ هز عروشا وأنظمة‏,‏ وفتح الباب أمام متغيرات يصعب تقدير أبعادها‏.‏
من الممكن أن يقال إن العام المنصرم‏2001‏ هو البداية الحقيقية للقرن الواحد والعشرين‏,‏ فقد تحددت من خلال أحداثه علامات فارقة‏,‏ هي التي تميز هذا القرن عن سابقه‏,‏ وابرزت خطوط التماس والخطوط الفاصلة بين عالمية ورؤيتين وزمانين مختلفين‏,‏ وأكدت استمرار الهيمنة الأمريكية باعتبارها نقطة الثقل الوحيدة في النظام العالمي‏.‏
وحين نلقي نظرة خاطفة الي الوراء‏,‏ فسوف نشهد في الشهور الأولي من العام‏,‏ عالما تتفاعل بين جنباته براكين من الغضب‏,‏ والاحباط والسخط‏,‏ لا تجد لها منفذا غير العنف ومزيد من العنف الذي يقع له ضحايا بالمئات والألوف من الأبرياء‏...‏ ينتهي في شهوره الأخيرة بانفجار هائل في نيويورك وواشنطن يسقط له آلاف الضحايا‏,‏ ويستدعي بالضرورة أكبر عملية انتقام في التاريخ تقودها أكبر وأقوي دولة في العالم‏,‏ في صورة حملة عسكرية واسعة النطاق‏,‏ تستخدم فيها أحداث أساليب الحرب وأكثرها تطورا‏,‏ ليس لتدمير قواعد الإرهاب وشبكاته في أفغانستان فحسب بل أيضا لتسوية حسابات سياسة قديمة مع معارضي السياسة الأمريكية‏,‏ ووضع اسس صارمة للسلام كما تريده أمريكا وليس كما تريده شعوب العالم‏.‏
بدأ العام برنة تفاؤل لم تدم غير لحظات‏,‏ بوصول الرئيس بوش إلي البيت الأبيض مستندا إلي حفنة قليلة من الاصوات‏,‏ أصابت النظام السياسي الأمريكي بشرخ عميق‏...‏ وانتهي بما شبه الحرب العالمية الثالثة التي نقل فيها الرئيس الجديد خبرات الجنوب الأمريكي اليميني المحافظ وأسلوبه في التفكير والتعامل مع المشكلات العالمية‏,‏ وكانت كل المقدمات تشير إلي ذلك حين عارضت الإدارة الأمريكية عددا من الاتفاقات الدولية التي حصلت علي اجماع دولي‏,‏ وقررت العودة إلي سباق التسلح بالغاء أتفاقية الصواريخ البالستية‏,‏ وأتخذت موقفا سلبيا ازاء عدد من القضايا العالمية‏.‏
كان العالم قد بدأ يفيق في الشهور الأولي من حروب البلقان‏,‏ بالتوصل إلي اتفاقات كوسوفو‏,‏ والقبض علي السفاح الصربي ميلوشفيتس وترويض يوغوسلافيا‏,‏ ولكن الازمات تفجرت في أندونيسيا‏,‏ وأشتعلت الأنتفاضة في فلسطين بوصول سفاح من نوع آخر إلي تل أبيب هو آرييل شارون علي رأس حكومة يمينية متطرفة عازمة علي تقويض أسس السلام في الشرق الأوسط‏!!‏(الأهرام المصرية)