إيلاف : تكريساً لسياسة سلاح الثقافة ، بدلاً من ثقافة السلاح التي سادت أفغانستان لعقود مضت ، قال وزير الاعلام والثقافة في الحكومة الأفغانية الانتقالية رحيم مخدوم إن السلطات الجديدة تعتزم البدء قريباً في إعادة بناء تمثالي بوذا العملاقين في اقليم باميان اللذين دمرتهما حركة طالبان الأصولية المخلوعة ، هذا في الوقت الذي بدأ فيه خبيران أصوليان حملة دولية لحشد الدعم المالي والتقني لإعادة بناء التمثالين، وأسسا موقعاً عبر الإنترنت للغرض نفسه ، حددا فيه الخطوات اللازمة للبدء عملياً في هذا المشروع .
وكان الوزير الأفغاني مخدوم قد صرح لوكالة "رويترز" ان عدة دول اعربت بالفعل عن اهتمامها بالمساهمة في المشروع ، وانه بحث مع الامم المتحدة تنظيم ندوة للمتخصصين الافغان والاجانب وممثلين من الدول المانحة لوضع خطة العمل المزمعة ، وأضاف مخدوم : "نود ان نبدأ في اسرع وقت ممكن.. نعلم ان تمثالي بوذا اللذين سيعاد بناؤهما لن يكونا كما كانا في الماضي بالطبع .. الا أننا في حاجة الى اقامتهما بما نستطيع " .
وكانت حركة طالبان الاصولية قد فجرت تمثالي بوذا العملاقين بالديناميت في اقليم باميان في مارس اذار ، رغم مناشدة دول اسلامية وزعماء غربيين الحركة بعدم الاقدام على هذه الخطوة ، واعتبرت طالبان التمثالين واحدهما يبلغ ارتفاعه 40 مترا والاخر 50 مترا من الاصنام التي ينبغي تدميرها .
واضاف مخدوم ان تمثالي بوذا ما هما الا جزء صغير من التراث الثقافي لافغانسان الذي نهبته طالبان قبل ان تتمكن قوة دولية بقيادة الولايات المتحدة من الاطاحة بها ، ولم يدمر مسؤولو طالبان المخلوعة الاعمال الفنية ، ولم يحولوا المتاحف الى أطلال فحسب ، بل اغلقوا المسارح ومنعوا الرسم والسينما وكافة الفنون والآداب ، واوقفوا البث التلفزيوني .
سلاح الثقافة
وتعتمد الحكومة الجديدة في افغانستان التي تولت السلطة الاسبوع الماضي على مليارات الدولارات من المساعدات الدولية لاعادة اعمار البلاد التي ستخصص لها الشهر القادم في مؤتمر يعقد في طوكيو ، وجعل الزعماء من استعادة الثقافة ووسائل الاعلام اولوية ، وقال مخدوم "اختفى كل شيء.. التلفزيون والافلام الافغانية والمسرح والموسيقى والمتاحف وعناصر اخرى من وزارة الاعلام والثقافة مثل المكتبات العامة.. اختفى كل شيء" ، وتابع "والان يتعين علينا ان نعيد بناء كل شيء. ولكن الاكثر اهمية في الوقت الراهن هو الاذاعة والتلفزيون ودار الطبع التي احرقت ودمرت تماما وايضا اعادة الصحف بما في ذلك كابول تايمز (الصادرة بالانجليزية)."
واستقبل مخدوم يوم السبت مجموعة كبيرة من النساء من الموظفات السابقات في الوزارة الى جانب الشعراء والمذيعين والموظفين.
وبعد اكثر من شهر على رحيل طالبان عن كابول لم تخلع اغلب النساء البرقع الذي كانت تفرضه طالبان. الا ان النساء اللاتي جئن لمقابلة مخدوم كن يرتدين الحجاب العادي ، وقال الوزير وهو محاضر سابق في جماعة كابول في التاريخ والثقافة الافغانية عاد الى البلاد بعد ست سنوات من النفي انه يرغب في اعادة أكبر عدد ممكن من النساء الى وظائفهن وايضا تعيين المزيد.
واضاف "لدينا تاريخ من انشطة النساء في البلاد...لدينا شاعرات وفنانات وكاتبات وعالمات دين بينهن." ، ومضى قائلاً "والان هن اغلبية مجتمعنا وكن هدفا لاغلب الفظائع التي ارتكبتها طالبان لذا فاننا نرغب في ان يقمن بدور كامل في اعادة بناء البلاد" .
ودمر منزل مخدوم نفسه في كابول وهو يعيش الان في فندق اقيم في الستينات على المقاييس الدولية الا انه يعاني حاليا من نقص المياه والتدفئة.
الا ان الالغام والمسلحين قد ينفرون السائحين عن البلاد لعدة سنوات ولكن مخدوم قال انه يأمل ان يشهد عودتهم.
ومضى يقول "افغانستان واحدة من اقدم دول العالم وبها الكثير من الاثار القديمة والكثير من الاماكن الطبيعية والشيقة. انا متأكد عندما تعود الامور الى نصابها سيكون هناك الاف السائحين" .
وكانت افغانستان في يوم من الايام بجبالها الشاهقة وتراثها القديم وما تشتهر به من حسن الضيافة بلدا سياحيا وكانت وجهة لمحبي المغامرة خلال الستينات والسبعينات.
دعم سويسري
على الجانب الآخر من العالم ، وعلى صعيد متصل ، ينشط الخبيران السويسريان بول بوشرر (Paul Bucherer) مؤسسُ متحف أفغانستان في بوندندورف بالقرب من مدينة بازل وبيرنار فيبير (Bernhard Weber) مؤسس موقع New7Wonders.org ـ أو العجائب السبع الجديدة ـ على الانترنت حملة من أجل حشد التأييد لاعادة بناء تمثالي بوذا العملاقين الذين هدمتهما حركة طالبان الأفغانية المخلوعة في مارس اذار الماضي ، وأكد الخبيران أن إعادة بناء التمثالين البوذيين لمدينة باميان الأفغانية سيتطلب ثلاث مراحل أساسية ، الأولى تتمثل في إنشاء صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد 3D بالكمبيوتر تُجسد التمثالين ، أما الخطوة الثانية فتتلخص في بناء نموذج للتمثالين لا يتعدى حجمه عُشر الحجم الأصلي لتمثالي باميان ، وسيتم وضع النموذج في متحف أفغانستان ببلدة بوبندورف القريبة من بازل.
أما الخطوة الثالثة والأكثر أهمية هي الذهاب إلى أفغانستان وإعادة بناء تمثالي بوذا في موقعهما الأصلي وعلوهما الأولي الذي يبلغ ارتفاعه 53 مترا وعرضهما الذي يصل إلى 35 مترا ، وقد أشار الخبير فيبير إلى أنه لم يكن ممكنا تصور المشروع دون المقاييس الصحيحة للتمثالين والتي حصل عليها فريق الخبراء السويسري من البروفيسور روبيرت كوسكا من جامعة Graz بالنمسا .
وعلى الرغم من تعبير دول أخرى عن اهتمامها بإعادة تشييد التمثالين البوذيين في باميان، ظلت المقاييس الدقيقة التي أخذها البروفيسور كوسكا منذ حوالي ثلاثين عاما أهم محور في مشروع فريق الخبراء السويسري. فبدونها يستحيل بناء المجسمات الثلاثية الأبعاد للتمثالين البوذيين.
وادي باميان
وشدد الخبير السويسري بيرنار فيبير على أن إعادة بناء التمثالين البوذيين لن تكتسب قيمة تاريخية فحسب بل اقتصادية أيضا بالنسبة لسكان وادي باميان الأفغاني. ويقول السيد فيبير في هذا السياق: "ان التمثالين البوذيين كانا من بين آخر البنى التحتية التي كانت مصدر رزق لسكان الوادي، فالزوار القلائل الذين قصدوا افغانستان وقفوا لتأمل التمثالين الذين كانا يضمنان قوت سكان المنطقة.
ولتمويل المشروع، وجه فيبير نداء على الانترنيت من خلال موقع www.new7wonders.org ودعا مُتصفحيه إلى التبرع بما استطاعوا للمساهمة في تحقيق المشروع. ويتوقع فيبير تجميع مليونين فرنك سويسري من التبرعات معربا عن اعتقاده أن كبريات المنظمات ستهتم بالمشروع ومشيرا إلى أن عددا من الشركات اقترحت عليه المساهمة في تمويل الفكرة.
وفور الحصول على ما يكفي من الأموال، سيحتاج فريق الخبراء السويسري إلى دعوة رسمية من الحكومة الأفغانية المقبلة للشروع في إنجاز فكرته. ولا يتوقع فيبير أن يكون الحصول على هذه الدعوة أمرا عسيرا. لكن الأكيد هو انه يتعين على الفريق السويسري الانتظار قبل إعادة بناء التمثالين البوذيين لأن إعادة بناء الحكومة الأفغانية مازالت تتعثر في مدينة بون الألمانية .
&