&
سان فرانسيسكو - العاملون في قطاع الانترنت يدركون أن العصر الذهبي انتهى ولن يتكرر، وأكثر من خمسين ألف شخص فقدوا وظائفهم في وادي السيليكون وحده.
إن نظرة واحدة على مفكرة مواعيد جولي فير تكفي لفهم إلى أي مدى كان العام الموشك على الانصرام سيئا بالنسبة لقطاع التكنولوجيا ووادي السليكون في الولايات المتحدة الاميركية، الذي يعد مركز صناعة الانترنت في العالم.
ففي كانون الاول/ديسمبر من عام ألفين، كانت فير تخرج كل مساء، وتحضر حفلات أعياد الميلاد (الكريسماس) التي كان يبدو أنها لن تنتهي أبدا وتحتسي الشمبانيا وتأكل الكافيار وغير ذلك من الملذات التي يقتطع ثمنها من الموازنات الهائلة لشركات التكنولوجيا والانترنت.
في مثل أجواء الرخاء هذه، كان من السهل أن يتجاهل الجميع السحب الغائمة المتناثرة في الافق، والتي كانت تنذر بأن دوام الحال من المحال. وكان من السهل اعتبار من يحذر من أن البطالة ستنتشر وأن شركات كثيرة في مجال الانترنت سيؤول مصيرها إلى الافلاس باعتباره متشائما يتحسب للشرور دونما مبرر.
لكن ما حدث منذ ذلك الحين أثبت أنه حتى من وصفوا بالمتشائمين أخفقوا في توقع الحجم الحقيقي للازمة التي ألمت بصناعة الانترنت.
وفي ختام عام 2001 تبدو مفكرة مواعيد فير، المديرة التنفيذية ذات الثمانية والعشرين عاما، خاوية تماما. فقد ألغت معظم الشركات احتفالات الكريسماس لهذا العام أو على الاقل قلصت للغاية من نفقاتها بحيث لم تتعد كونها احتفالات رمزية.
تقول فير تعليقا على ذلك "في البداية كان الامر باعثا على الاكتئاب. لكن كلما فكرت فيه تدرك أن هذا البذخ لم يكن من الممكن له أن يستمر. وكأن هذه الشركات احتفلت لخمس سنوات ثم أصابها الصداع من كثرة ما تجرعته من شراب".
بل أن فير تدرك أنها محظوظة إذا ما نظرت إلى الآخرين. فهناك أكثر من خمسين ألف شخص في وادي السيليكون وحده فقدوا وظائفهم. وبات الان كل شخص في هذا المكان يعرف شخصا واحدا على الاقل بلا عمل.
وزاد الامر سوءا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر. فقد كانت سان فرانسيسكو وما حولها من أهم نقاط الجذب السياحي في الولايات المتحدة. والان تستغني شركات الطيران والفنادق وشركات تأجير السيارات عن موظفيها لتخفيض الانفاق مما سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد الاميركي بشكل عام.
ولا يخفى على أحد أسباب الانهيار الذي أصاب قطاع الانترنت في العالم. فقد منحت شركات هذا القطاع تقييما مغالى فيه من قبل البنوك مما أقنع العامة بالاستثمار في هذه الشركات اقتناعا بأن الانترنت سرعان ما ستحدث انقلابا في نمط حياة الناس وإدارتهم لاعمالهم.
فعندما بدأت ثورة الانترنت حقيقة في عام 1995 سرى اعتقاد بأن شركات هذا القطاع يجب أن تواصل نموها بأسرع وقت ممكن بغض النظر عن التكلفة من أجل الحصول على وضع مسيطر في منجم الذهب التكنولوجي.
ولكن بحلول نهاية العام الماضي كان واضحا للجميع أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما. وبدأت أنباء إفلاس الشركات وتسريحها موظفيها تتوالى.
وبدأ أثر خطط الاعمال غير الواقعية بالتأثير على القطاع بأكمله مما أدى إلى إخفاقات رهيبة مثل تلك التي مرت بها شركة "ويبفان" على الانترنت، والتي أعلنت إفلاسها في تموز/يوليو الماضي بعد فشلها في سداد قروض بقيمة 1.2 مليار دولار.
وفي النصف الاول من هذا العام ساد قدر من التفاؤل بأن حال شركات الانترنت سيتحسن في النصف الثاني، لكن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر جاءت لتقضي على أي أمل من هذا القبيل. ومع اقتراب نهاية العام، ثار التفاؤل مجددا بأن الصورة القاتمة ربما تنقشع قريبا.
يقول توم شيبل رئيس قسم البرمجيات في شركة "شيبل سيستمز إنكوربوريشن" العملاقة "لقد بدأت الامور تبدو طبيعية من جديد. وصحيح أنها ما زالت في مستوى أقل كثيرا مما كانت عليه قبل عام لكنها على الاقل ليست بالحالة المزرية التي شهدتها في الربعين الثاني والثالث من هذا العام".
ورغم ذلك فإن الواقعيين في وادي السيليكون يدركون أن العصر الذهبي لقطاع الانترنت لن يتكرر مطلقا إلى أن تظهر في عالم التقنية العالية "موضة" كبرى وجديدة على غرار الانترنت.