لم يحدث من قبل أن شهد العالم العربي انتكاسة لقضاياه كالتي شهدها في العام الماضي‏...‏ بدأت تتضح معالمها بوصول الرئيس بوش إلي البيت الأبيض‏,‏ ثم بانتخاب شارون في إسرائيل خلفا لباراك‏,‏ وقد اثبت العرب عجزا فاضحا في توقعاتهم بشأن الادارة الامريكية الجديدة‏,‏ وما حملته من توجهات لسياساتها الخارجية عموما وازاء الشرق الأوسط بصفة خاصة‏..‏ وبلغ من سذاجة العرب حدا‏,‏ أوحي لبعضهم بأن خليفة بوش الابن في مجال صناعة البترول‏,‏ وعلاقات بوش الأب القديمة وتشيني النائب الجديد للرئيس بالقادة والزعماء العرب منذ حرب الخليج‏,‏ كفيلة وحدها بأن تجعل السياسات الأمريكية أكثر تعاطفا مع العرب وأقل تحيزا لإسرائيل‏.‏
ولكن الأحداث أثبتت العكس علي طول الخط‏,‏ فقد جاء بوش الأبن إلي البيت الأبيض‏,‏ وهو عازم علي عدم احراق اصابعه في مشكلة الشرق الأوسط‏,‏ وعدم تكرار خطأ والده حين مارس قدرا تافها من الضغط علي إسرائيل‏,‏ ففقد الولاية الثانية وتكتل اللوبي اليهودي ضده في الإنتخابات الرياسية‏,‏ فلم يلبث في البيت الأبيض غير فترة رياسية واحدة‏.‏
وطوال العام وحتي قبل أن تقع أحداث سبتمبر الملعونة‏,‏ ظلت القضية الفلسطينية تراوح مكانها‏..‏ لا البيت الابيض قادر علي أو راغب في القيام بدور امريكي ايجابي لتطويع السياسات الشارونية علي طريق السلام‏,‏ ولا الحكومة الإسرائيلية قد وضعت ذلك في مخططاتها‏,‏ بل كات تعمل علي إشعال نيران الانتفاضة الفلسطينية كلما هدأت‏,‏ ونصب عينيها هدف واحد هو افراغ اتفاقيات أوسلو من مضمونها وتفكيك السلطة الفلسطينية وعرفات علي رأسها‏..‏ وقفت أمريكا مغلولة الأيدي وأوروبا مشلولة الحركة أمام تصلب إسرائيلي وعنادها‏..‏ بينما يزداد الموقف غليانا في الشارع العربي‏,‏ مع سقوط أعداد متزايدة من الضحايا تحت نيران الدبابات والطائرات الإسرائيلية‏,‏ وفي مواجهتها عمليات انتحارية في قلب المدن والمستوطنات الإسرائيلية لا تجدي فتيلا‏.‏
اما في العالم العربي فقد بقي كل شئ علي حاله‏,‏ دون أدني محاولة لتجديد الافكار والسياسات بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة‏,‏ لكي تعيد الدول العربية ترتيب صفوفها وبيتها من الداخل‏,‏ وتنسق بين العواصم العربية المتنافرة‏,‏ وتخرج من نفق المزايدات الجوفاء إلي سياسات واقعية فاعلة‏,‏ واقتصر التغيير الوحيد الذي حصل علي الجوانب الشكلية‏,‏ بتعيين عمرو موسي أمينا عاما للجامعة العربية خلفا للدكتور عصمت عبد المجيد‏.‏
وكان طبيعيا أن يصل الموقف في الشرق الأوسط إلي طريق مسدود لدي أول صدمة أمريكية‏,‏ وتخطف إسرائيلي القضية الفلسطينية بدعوي مكافحة الإرهاب‏...‏ فتفرض الاقامة الجبرية علي عرفات وتنجح في وضع الفصائل الفلسطينية علي قائمة الإرهاب‏,‏ وتسعي لاملاء شروطها علي الفلسطينين والعرب‏!‏(الأهرام المصرية)