&
لندن ـ نصر المجالي: قليلون ممن تسلموا زعامة باكستان عنوة نجوا من الموت على أيدي الغير من المناهضين او من الموالين، وحين اسقطت طائرة الجنرال المنقذ محمد ضياء الحق في الثمانينيات كان الطيار من صفوة المخلصين في سلاح الجو الموالي للرئيس الجنرال.
ضياء الحق أعدم مخلصا باكستانيا آخر قبله هو ذوالفقار علي بوتو الحالم بقوة نووية اسلامية وليس باكستانية فقط وقضى محكوما بالاعدام لمواقفه الوطنية والدينية تحت شبهات لم يتسن للقضاء البت فيها، فالبلاد وضعت تحت الاحكام الطارئة.
لعنة القنبلة النووية طاردت الزعماء الباكستانيين منذ الانفصال التاريخي الشهير في العام 1947 عن الهند للشروع في اقامة دولة اسلامية في جنوب آسيا التي كانت امبراطورية بريطانية اصبحت تواجه اخطار الدب السوفياتي الشيوعي.
طموحات نهرو

الهند لها طموحاتها الخاصة والعالمية التي سهر نهرو على تنفيذها طويلا كقائدة عالمية ثم كان قيام حركة عدم الانحياز الذي قاده الثلاثي الشهير جمال عبد الناصر وجوزيف بروز تيتو ثم نهرو.
باكستان نأت تلك الايام&بنفسها عن الحركة واختارت طريق حلف بغداد مع تركيا وبغداد نوري السعيد ومحمد رضا بهلوي في ايران. وهي مع العالم الاستعماري الجديد، ابعدت حالها عن حال ممن هم حواليها، واصرت على انها تعادي الهند الجارة في السراء وفي الضراء حتى وان اجتمع القادة في البلدين لحسم امور عالقة.
واستمرت نار العداوة على منهج عرقي وطائفي بين جارين كانا الى نيف وخمسين سنة بلدا واحدا وجزءا من امبراطورية واحدة هي امبراطورية بريطانيا العظمى التي كان مضيئة على البشرية في عهد فيكتوريا العظيمة.
فكر محمد علي جناح

ليس بمقدور محمد علي جناح، الاسلامي الهادىء المتبصر الا ان يعطي الفكر في حال من العقائدية الدينية الاسلامية المنفتحة الاشارة الى اقامة كيان ذاتي لمسلمي الهند، بعده الفكرة اصبحت تشددا واقيمت لها كليات ومعاهد ومدارس دخلت كل بيت لاثارة الضغائن التي منها الفكر الجناحي الاسلامي براء.
وتحت لواء افكار هذا المفكر الاصلاحي محمد علي جناح ارتكبت خطايا واخطاء كثيرة، والغريب ان جميع القادة الذين تعاقبوا على حكم باكستان من الجنرالات الى الاسلامييين الى المتشددين الى العلمانيين حافظوا في مكاتبهم على ابقاء صورة محمد على جناح للعمل من تحتها لتنفيذ مقاصدهم.
محمد علي جناح، كان حالة مخلصة بريئة، ومن تحت هذا الاسم ارتكبت الخطايا، حال الخوارج حين ياروا على علي بن ابي طالب وهم يحملون المصحف الشريف على اسنة الرماح، وما كان من باب مدينة العلم الاسلامية الا القول " الله المرفوع على اكتافهم .. كلمة حق يراد بها باطل".
دين محمد العربي

واذ أهل باكستان لا يعتدون بقومية تخصهم سوى الانتماء الى دين (محمد العربي) منذ حملة محمد بن القاسم الثقفي الذي وحد بين قبائل تناحرت على مدى الآجال والازمان، فانهم اخذتهم العزة بالاثم لتفجير آفة التشدد في الخمسين سنة الماضية على نحو دموي وقنبلة موقوته تنفجر في أية لحظة تحت شعار "علي وعلى اعدائي يارب".
في باكستان (المؤلف اسمها اصلا من الاحرف الاولى بيشاور حيث حرف الباء والألف حيث اسلام اباد ثم كشمير حيث حرف الكاف) ومن تليها كلمة ستان وتعني بلاد، لا توجد حالة قومية ووطنية خاصة.
اللغة أوردية لها امتدادتها في الهند التاريخية، والاعراف والتقاليد واحدة ومنبعها مومبي في الهند او من الغرب في بلاد فارس، وحتى القرآن الكريم في باكستان وهو دستورها حين يريد السياسيون تنفيذ مآربهم يكتب بالاوردية ويقرأ بالاوردية ويفسر بالاوردية ايضا.
الانفصال والجرف القاري

وحين الانفصال الذي جاء كالجرف القاري الكبير في العام 1947 ، كانت الدولة الاسلامية الجديدة تضم باكستان الشرقية، ولكن مجيب الرحمن رفض الا ان تنفصل هذه الشرقية، وقامت حرب وقتل مئات الالوف على يد قوات الجنرال ايوب خان ورغم ذلك قامت دولة اسلامية اخرى على الكتف الشرقي الشمالي للهند الأم اسمها بنغلاديش والزعيمة الآن هناك الشيخة حسينة وهي من سيدات الانفصال.
ومن دون عبث في تفاصيل تاريخ دموي قد يستمر طويلا، فان الزعامة المتعاقبة في باكستان التي اطلقت على بلدها اسم "جمهورية باكستان الاسلامية"، لا تضمر خيرا للوطن الأم الاصلي الهند، وكان الجميع معا يشكلون شبه قارة يمكن ان يحسب لها الف حساب في استراتيجيات الدول الكبرى.
عدم الانحياز

فيما الهند شاركت في قيام كتلة عدم الانحياز، وايدت المجهودات الدولية جميعا عبر شرعية حقيقية نحو عالم تسوده الطمأنينة والازدهار، وحظيت بعلاقات واحترام من كتلتين متنازعتين في ابان مرحلة الحرب الباردة، فان باكستان ظلت تراوح مكانها بين تحالفات وانتماءات لم تجلب عليها سوى المزيد من الجنرالات الحكام والانهيارات الاقتصادية والتبعية لمحاور هي في الاساس غير اسلامية.
وجنرال يتلو جنرال، ولم يستقر للديموقراطية قرار، فاعدم ذوالفقار علي بوتو، وفي العامين الاخيرين اطيح بنواز شريف رئيس الوزراء المنتخب، ومن قبله هزمت بي نظير بوتو والحبل على الجرار.
سياسة وكهنة

مسألة واحدة على الجنرالات و"كهنة السياسة الباكستانية" الاعتراف بها امام العالم تحل المشكلة، وهي ان كشمير لم تكن في احد من الايام جزءا من الاراضي الباكستانية، فباكستان نفسها لم تكن موجودة على الخريطة قبل نيف ونصف قرن من الزمان.
الفكرة لا تقيم دولة، واحلام الساسة في التقدم والارتقاء حالة لم تتحقق في اطروحات افلاطون، وهي بالتالي جدلية ليست بالفكر بل تليها دماء ودماء كثيرة وعزيزة. كشمير مثل باكستان كانت ولا تزال بحكم الجغرافيا والتاريخ من حواضر الهند، وهي لها ومن توابعها مهما كان عديد من يدين بدين محمد العربي في تلك المنطقة.
مدارس دياباندي

لكن مدارس اقيمت منذ اكثر من مائة وخمسين عاما على ارض الهند دأبت على تعميم فكرة التشدد ليس لروحانية العبادة لرب واحد له تعاليمه السمحة بين خلقه، وانما لاثارة القتل والدم بين ابناء العائلة الواحدة، ومن هنا تمزقت الهند اقاليما ودولا وطوائف وجنسيات على هذا النوع من المدارس الذي فرخ في افغانستان حركة الطالبان.
من هنا السؤال ؟ لماذا انحازت باكستان "الاسلامية" الى حركة الطالبان قبل سنوات ست؟ ولماذا هي الآن الملجأ الوحيد للهاربين من عساكر تلك الحركة الظلامية وانصارها من شبكة (القاعدة)؟.
والسؤال الذي يثير المحللين والمراقبين هو، هل من مصلحة باكستان في هذه المرحلة بالذات ان ينطلق من اراضيها متشددون لتنفيذ القتل العمد في باحة اكبر ديموقراطية في العالم مثل البرلمان الهندي؟.
اراء ثيوقراطية

باكستان لم تعرف الديموقراطية ابدا، وهذا ليس اتهاما من خلال التحليل المنطقي في سياق الاحداث، وطوال السنوات الخمسين الماضي ظلت محكومة الى اراء ثيوقراطية جعلتها في النهاية رهينة للتشدد الديني في أبهى معانيه. وحتى ان حكومتين منتخبتين ديموقراطيا قبل برويز مشرف (الجنرال) مثل حكومة نواز شريف وحكومة بي نظير بوتو كان يمكن لهما فك حصار التشدد ولم تنجحا ولهذا كان السقوط المشرف على يد الجنرال مشرف.
حكومة الجنرال مشرف عندها قدرة نووية وهذا ورثته من حكومات متعاقبة، وكذا حال الهند، والحرب الثالثة بينهما على الابواب، ولكن بوابات الحوار مفتوحة.
التشدد .. القضية

الهنود ومعهم انصار دوليون كثيرون يطلبون من باكستان الجارة مسألة واحدة فقط، هي انهاء التشدد، باكستان اعتقلت بعضا منهم في اليومين الاخيرين، لكن المسألة تتجاوز ذلك كثيرا، فمن يغلق تلك المعاهد والمدارس التي يزيد عددها على الالاف وهي منتشرة في عرض البلاد الباكستانية وطولها. من تلك المدارس وتخريجاتها الدينية ومن خريجيها انتشرت افكار التطرف وهي انتقلت الى الجوار في الشرق الأوسط من الكويت وقطر والسعودسة الى اليمن والاردن ومصر فالسودان وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا والجزائر الند العربي لباكستان في تشدد الجماعات.
قضية كشمير يسهل التعامل معها على صعيد العلاقات الدولية، فالشرعية الممثلة في مجلس الأمن قادرة على حسمها اليوم قبل غد على ما يبدو، ولكن استمرار القضية منذ اكثر من خمسين عاما يثير السؤال الكبير وهو مطروح للبحث دائما.
لقد وقفت باكستان على صعيد عالمي في الحرب الاخيرة ضد الارهاب، وكان موقفا جاء بعد ضغوطات كثيرة على حكم غير شرعي قاده جنرال ضد الشرعية المنتخبة، وهذا الحكم يواجه الآن السؤال الصعب، هل من حل لمسألة التشدد والمدارس والكليات التي تفرخها؟.
بي نظير معذورة

الجنرال مشرف في موقف يصعب عليه الاجابة الا اذا عزم الامر وحسمه مع جنرالات ذوي افق عالمي يتناسب مع الاستراتيجية الدولية في انهاء التشدد والارهاب مرة واحدة والى الابد، او ان البديل انقلابا آخر يأتي بجنرال آخر.
ولهذا، فان مراقبين يقولون ان رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو معذورة من منفاها الاختياري في امارة دبي في رفض مذكرة الاستنجاد التي وجهها اليها الجنرال مشرف في اليومين الاخيرين طالبا اليها الاسهام في ايجاد حلول للازمة الراهنة.
وفي الأخير، فان بي نظير بوتو تعرف كثيرا عن اسباب الازمات وسبل حلها، وكذا يعرف اكثر منها رئيس الوزراء المنتخب المطاح به نواز شريف الذي يعيش في منفاه بضيافة المملكة العربية السعودية الآن.
&
&&
&
&
&
&