ايلاف: في مقال لداعية السلام الاسرائيلي الكاتب يورى افنيرى اعتبر أن شارون بحملته الأخيرة قد كتب في جنين التي أصبحت ستالينجراد أو "الماسادا" الفلسطينية، شهادة ميلاد الدولة الفلسطينية، خلافاً لهدفه الساعي نحو تدمير مؤسساتها وبنيتها التحتية، وتصفية قياداتها السياسية والحركية، مؤكداً أنه لم يحقق شيئاً سوى إضافة مذبحة جديدة لتاريخه الحافل بالمجازر.
وأضاف افنيرى فى مقاله الذي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أمس، أن هذا بالطبع لم يكن هدف شارون، عندما أمر أكبر آلة عسكرية فى المنطقة وأحدث أسلحة فى العالم باجتياح مخيم جنين الفقير المكدس بالبشر، حيث كان هدفه تدمير السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وقيادتها دفعة واحدة وإلى الأبد تاركا فحسب بقايا وشذرات وحطام انسانى يمكن التخلص منها فى أى مكان.
وتابع الكاتب الإسرائيلي الذيث تربطه صلات وطيدة مع عدد كبير من الساسة والكتاب الفلسطينيين والعرب وفي مقدمتهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات شخصياً، أنه على أرض الواقع حدث أمر مختلف تماما حيث انه وسط بحر من المعاناة تطفو فوقه الجثث أشتد عود الأمة الفلسطينية كما لم يحدث من قبل، ووصف داعية السلام الاسرائيلى ما حدث فى مخيم جنين بأنه ماسادا فلسطينية حيث تجمع فى المخيم الصغير مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين من كافة المنظمات فى معركة حتى الرمق الأخير للدفاع عن النفس فى بطولة أسطورية ستعيش الى الأبد فى قلوب العرب جميعا.
واعتبر أفنيرى الذي يحظى باحترام كبير في أوساط النخب العربية، أن جنين ستبرز كمذبحة ثانية بعد صابرا وشاتيلا أو ستصبح بمثابة "لينينجراد" رمزا لبطولة خالدة في الوجدان الفلسطيني، وأن إسرائيل ستدفع ثمنها غالياً.
واضاف ان البطولات الاسطورية فى جنين ومجمع عرفات المحاصر فى رام الله سيشكلان وعى الأمة الفلسطينية الجديدة، مشيرا الى ان هدف حملة شارون كما زعم هو تدمير البنية الارهابية وهى تعريف فى حد ذاته لا معنى له اذ ان بنية الارهاب توجد فى أرواح ملايين الفلسطينيين و عشرات الملايين من العرب الذين تتأجج قلوبهم غضبا بسبب ما ما يحدث.
وأوضح أفنيري أنه كلما قتل شارون مزيد من المقاتلين ومنفذى التفجيرات كلما حل محلهم المزيد من المقاتلين ومنفذى الهجمات، اذ انه عندما يلقى العشرات من الجرحى فى الشوارع ويتركهم ينزفوا ببطء حتى الموت لأن القوات الاسرائيلية تطلق النار على أى سيارة أسعاف متحركة فإن كرها مرعبا سيمليء القلوب نتيجة لهذه التصرفات، وقال عندما يدفن الجيش الاسرائيلى سرا مئات من جثث الرجال والنساء والاطفال فان كراهية مرعبة ستسكن الأرواح، وعندما تدمر الدبابات المنازل وتطيح بأعمدة الكهرباء وتفجر أنابيب المياه تاركة الآلاف يهيمون على وجوههم دون مأوى ولا يجد الاطفال مفرا من الشرب من برك المياه الأسنة فان كراهية مرعبة تتولد داخل النفوس.
وقال أفنيري الذى يناضل من أجل منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة منذ عام 1982 وشارك فى تأسيس ما يعرف بتحالف "جوش شالوم" أو تحالف السلام، أن الطفل الفلسطينى عندما يرى كل ذلك بأم عينيه فانه يصبح فى الغد مفجرا استشهادياً، ولذا فإن شارون ورئيس أركانه الجنرال شاؤول موفاز هما اللذان يصنعان البنية الارهابية، وفى الوقت نفسه يرسيان ـ دون قصد منهما ـ أسس الأمة والدولة الفلسطينية.