القاهرة - رياض ابو عواد: برزت قيمة العرض المسرحي العراقي "نار من السماء" لفرقة مردوخ للرقص الدرامي الحديث كحالة انسانية اكثر منها فنية بتضمنها عالما مليئا بالشر لم ينتصر فيه الخير وبتصويرها واقعا مغلقا لا فكاك منه الا بمعجزة. وتقدم فرقة مردوخ، وهي ثاني فرقة عراقية تشارك في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، من خلال تسعة راقصين عالما من الجحيم يبدأ في مكان يشبه القبر حيث يقوم احد الراقصين باخراج جسد زميل له من شرنقة يقترب شكلها من الكفن. وتتقدم احدى الراقصات على ايقاعات موسيقى كلاسيكية ليبدأ صراع بين الثلاثة يتطور في الانتقالات الموسيقية ذات المنحى العراقي الشرقي يليها دخول باقي الراقصين المشاركين بالعرض. ورغم الصورة القاتمة، يؤكد مصمم العرض ومخرجه علي ابو طالب ان "العرض يتعلق بالعلاقة بين الخير والشر منذ بدء الخليقة وخلق آدم وحواء وصراع هابيل وقابيل وتصوير العلاقات المتعددة للخير والشر والحب والكره وغيرها من الثنائيات المتناقضة".
وانتصر الشر غالبا في اللوحات الراقصة المتلاحقة بطريقة "تعكس مدى الاختناق الذي يعيشه المجتمع العراقي" حسبما قال الكاتب المسرحي يسري خميس مضيفا ان "قيمة العرض العراقي ترتكز بانعكاسها للواقع اكثر منها صورة فنية". ومع ذلك، فان المخرج العراقي يعتبر ان العمل الذي قدمته الفرقة يقع "خارج وداخل اطار المسرح والرقص والدراما والتمثيل الصامت والحركة الرياضية والايماءة والفعل ورد الفعل والرقص الشرق اسيوي والشرق اوسطي والافريقي، وهي تصب كلها في نسق حركي معين يختلف عن المذاهب الحركية السابقة وخارج قواميسها". لكن مخرجا مصريا يعمل في مجال الرقص المسرحي الحديث عارض ذلك بقوله ان "ما شاهدته من حركة الفريق العراقي الراقصة ضمن ظروفهم يعتبر جيد جدا لكن الخطوات والتشكيلات الراقصة التي استند اليها العرض لم تكن مدروسة بما فيه الكفاية". واضاف "لم يكن هناك اي توافق بين الحركة والموسيقى في اكثر من مشهد ولم اجد اي اختلاف في الحركة والخطوة في المشاهد حيث انني لم اشعر بالتغيير الذي يشير اليه زميلنا المخرج العراقي باستخدامه خطوات الرقص المختلفة التي اشار اليها".
ومن جهته، اعتبر الناقد كامل حلمي ان "عدم الدراسة الكافية للتشكيلات المعروضة كانت وراء عدم وضوح الحقيقة والفكرة وعدم القدرة على توصيلها بشكل جيد" عازيا ذلك الى عدم "القدرة على الافصاح عن الواقع باكثر من الصورة القاتمة التي قدمها العرض حتى قبيل النهاية عندما ظهر الراقص الغارق بالملابس البيضاء".
واضاف ان "هذا الظهور للمخلص يؤكد ان العرض العراقي يقول +وضعنا بمنتهى السوء ولا خلاص لنا الا بمعجزة+. وقد عبرت الاضاءة عن ذلك عندما ركزت ضوءا شديدا وبشكل حصري على راقص يرتدي الابيض مما يوحي باجواء الايقونات". والايقونات في الديانة المسيحية والهالات المحيطة برؤوس اشخاصها تشير الى قدسية الشخصية التي حققت معجزات. ويعاني العراق من حظر تفرضه الامم المتحدة منذ العام 1990 ويبقى العرض المسرحي في ظل الظروف الخانقة امرا جيدا ويعتبر مؤشرا الى بدايات قد تكون واعدة لعروض اكثر اتقانا في المستقبل، برأي النقاد.